المستشار البرلماني الحسن سليغوة ينتقد التدبير الحكومي الحالي في مجال السياسات العمومية

المستشار البرلماني الحسن سليغوة ينتقد التدبير الحكومي الحالي في مجال السياسات العمومية

  • إنسجاما مع تبني أعضاء الفريق الإستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين لخيار المعارضة النقدية في تشخيصهم السنوي للتدبير الحكومي في مجال السياسات العمومية. 
  • وحرصا منهم على الإضطلاع بدورهم الطبيعي ذاخل قبة مجلس المستشارين في النقد البناء، والتوجيه الخلاق، والنصح الرشيد، بعيدا كل البعد عن أي تبخيس ملغوم للمجهودات الجبارة والنتائج المرضية في بعض هذه المجالات العمومية.
  • وإستحضارا من جانبهم لمعاناة وانتظارات وتطلعات المواطنات والمواطنين المغاربة عموما، والفئات العريضة من الطبقات الشعبية والهشة على وجه الخصوص، الغير قابلة للمماطلة والتسويف، أو المساومة أو المزايدات السياسوية والإنتخابوية. 
  • وبمناسبة إنعقاد الجلسة السنوية المخصصة لتقييم السياسات العمومية في مجال المرفق العمومي بعد زوال يوم الإثنين المنصرم 11 فبراير 2019.

قدم المستشار البرلماني السيد الحسن سليغوة بإسم الفريق الإستقلالي للوحدة والتعادلية، مداخلة مستفيضة إنتقد من خلالها وبشكل موضوعي التدبير الحكومي للمرافق العمومية ذات الصلة الوطيدة بتحريك عجلة التنمية المجالية المندمجة المتضامنة المستدامة، في علاقتها المباشرة مع المواطن المغربي الرأسمال اللامادي، والأمر هنا يتعلق بالمراكز الجهوية للإستثمار، وقطاع التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، فضلا عن السياسات العمومية المتبعة في قطاع الصحة.

وبالنظر إلى ما تضمنته مداخلة المستشار البرلماني الحسن سليغوة من آليات التقييم المعقلن للسياسات العمومية في مجال المرفق العمومي، وإعتماد أسلوب النقد البناء في التعاطي مع التدبير الحكومي لهذه القطاعات العمومية، ولكل غاية مفيدة، نضع رهن إشارتكم بالصوت والصورة النص الكامل لهذه المداخلة الوجيهة : 

السيد الرئيـــس،

السادة الــــوزراء ،

السادة المستشاريــــن 

يشرفني أن أتناول الكلمة اليوم باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، لأتقاسم معكم بعض الأفكار والملاحظات حول تقرير اللجنة الموضاعاتية المؤقتة المكلفة بتقييم السياسات العمومية حول مجالات تشكل بالفعل هواجس حقيقية للمغاربة، ويتعلق اأامر بالسياسة الصحية، والسياسة التعليمية، وكذا عمل المراكز الجهوية للاستثمار. وإذ أعبر في البداية عن ارتياحي لحرص مكونات هذا المجلس على تفعيل صلاحيات البرلمان بخصوص تقييم السياسات العمومية، مشيدين بالعمل الجبار والمهم الذي اضطلع به أعضاء اللجنة في الاعداد لانجاح هذه الجلسة، فإنني في الوقت ذاته أتأسف لحجم الإكراهات التي تعترض تحقيق تراكم حقيقي على مستوى مناهج وآليات تقييم السياسات العمومية بالشكل الذي يمكن مؤسسة مجلس المستشارين من ممارسة هذه الصلاحية وفق الممارسات الفضلى.

و في هذا الإطار، أتساءل : 

  • لماذا لم تعط الحكومة الى عملية التقييم الأهمية التي تستحق، والتي يمكن للبرلمان البِنَاء عليها لممارسة الصلاحيات التي يتمتع بها على هدا الصعيد؟. –
  • أليس تقييم السياسات العمومية بشقيه القبلي والبعدي يعتبر من بين أهم ركائز الحكامة الجيدة؟ –
  • ولماذا لم تعمد الحكومة على إرساء تنظيم منهجي (Systématisation) لأعمال التقييم لمختلف برامجها وسياساتها، بالرغم من توفرها على الخبرة و الموارد البشرية والمادية والمعلوماتية الضرورية.

بالطبع، في إطار النقد الذاتي، لابد من الاعتراف أيضا بأنه وبالرغم من انخراط جميع مكونات المجلس في المساهمة في أشغال اللجنة الموضوعاتية، غير أنه يتوجب الاعتراف بأن تقرير اللجنه [ولأسباب موضوعية ترتبط بضعف تعاطي الحكومة مع مطالب اللجنة]، لا يرقى أن يصنف ضمن الأعمال التقييمية، وأنه لا يختلف كثيرا عن تقارير التشخيص المتعلقة بالقطاعات المعنية. 

ويبقى السؤال المطروح علينا جميعا هو :هل تنظيم هذه الجلسة ييقى هدفا في حد ذاته؟

أظن أن المسافة التي تفصلنا عن دستور 2011 تلزمنا بالمرور الى مرحلة أخرى عبر التفعيل الحقيقي لهذا الاختصاص، للاسهام في تحديث تدبير الشأن العام وتحسين أدائه، وجعل المؤسسة التشريعية فضاءا خلاقا و منتجا للأفكار و البدائل.

و من هدا المنطلق، سنعمد و نحن بصدد إبداء ملاحظاتنا بشأن السياسات المبرمجة في هذه الجلسة، تقديم مقترحات بشأن مناهج وآليات تقييم السياسات العمومية في أفق  إرساء تقاليد برلمانية أكثر عقلانية بهدا الشأن. الســــــــــيد الرئيــــــــــــس،الســـــــــــــادة الــــــــــــــوزراء ،الســـــادة المستشاريـــــــــــن 

من بين المؤشرات القليلة التي يقدمها تقرير اللجنة الموضوعاتية حول تقييم عمل المراكز الجهوية للاستثمار ارتفاع إحداث المقاولات، لكن من يمكنه الجزم أن هذا الارتفاع في إحداث المقاولات كيف ما كان مستواه، مُهِمًّا أو ضعيفا، يعود حصريا إلى عمل المراكز الجهوية للاستثمار لوحدها؟

وهل يمكن الجزم أن هذا الارتفاع سيتوقف غدا في حال تم إلغاء هذه المراكز الجهوية للاستثمار؟

ألا يساهم النمو الاقتصادي الطبيعي، وارتفاع عدد السكان وتوزيعه الجغرافي، وأسعار الفائدة، والاصلاح المالي والنظام الضريبي، و تنزيل الاستراتيجيات القطاعية، وتحويلات المغاربة في الخارج،…و اللائحة طويلة من العوامل التي تدفع فاعِلا أو آخر الى إحداث مقاولة في مجال ترابي ما.  

نعتقد أن مؤشر احداث المقاولات غير مهم في حد ذاته، بل المهم هو آثار هذا الإحداث في خلق القيمة، وخلق فرص الشغل، وتحسين الدخل، ودعم الصادرات، والمساهمة في تحقيق تنمية مجالية متوازنة، وفي خلق تكامل بين الاستثمار الخاص والاستثمار العمومي، وغيرها من الأهداف و التي على أساسها يمكننا فعليا تقييم الآثار الفعلية لسياسة انعاش الاستثمار.

أسرد هذه الأهداف لأنه بالرغم من الارتفاع المهم لمعدل الاستثمار في بلادنا، إلا أن مضمونه من النمو والشغل لازال الأضعف على المستوى الدولي.

كما أنه موجه بالأساس الى قطاعات تقليدية وشبه ريعية، وغير خاضعة للمنافسة الدولية، وموجهة الى الطلب الداخلي كالعقار والأشغال العمومية والتجارة.وفي هذا الاطار، نعتقد في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن عمل المراكز الجهوية للاستثمار لايجب أن يقتصر على المساعدة على إحداث المقاولات و تركها “تموت” بعد ذلك.

ولست في حاجة هنا للتذكير بالارتفاع المخيف لحالات إفلاس المقاولات، التي تجاوزت 8000 مقاولة.

لقد حان الوقت أن تطور هذه المراكز عملها في ما يخص تتبع المقاولات، ومواكبة الاستثمار، وتنمية التسويق الترابي، والمساهمة في التنزيل الفعال للاستراتيجيات القطاعية، وفي التنمية المحلية.

كما أنه لايستقيم عمليا تقييم عمل هذه المراكز في غياب استراتيجية موحدة تحدد الأهداف الاستراتيجية والعملية المشتركة، وبما أن كل مركز جهوي ينفرد باستراتيجيته الخاصة، كان بالأحرى تقييم عمل عينة من المراكز الجهوية حتي يتمكن مجلس المستشارين من تقييم :

  • انسجام (Cohérence) الأهداف المرسومة والموارد المالية و البشرية والتنظيمية المرصودة.
  • الفعالية أو النجاعة (Efficacité) أي مدى تناسب النتائج المحققة مع الأهداف المسطرة.
  • الكفاية (Efficience)، أي كفاءة استغلال الموارد بشكل جيد، وتحقيق النتائج المرجوة بأقل تكلفة ممكنة.
  • الاثار (Impacts) أي مدى تحقق الاهداف العامة للتدخل العمومي في المجال الترابي ارتباطا بالمنفعة المجتمعية (Utilité sociale) في اللحظة المعنية. 

السيد الرئيس،

السادة الوزراء ،

السادة المستشارين 

أود أن أعرج على أولوية الأوليويات في السياسات العمومية، التعليم السيد الوزير، و ما أدراك ما التعليم، التعليم الذي اعتبره الزعيم علال الفاسي قضية حياة أو موت للأمة، والذي جعلناه القضية الوطنية الأولى بعد قضية الوحدة الترابية.

إلتزمت حكومتكم السابقة والحالية بجعل التعليم أولوية قصوى في السياسات العمومية، وتعهدتم بتطوير وتفعيل مختلف البرامج التعليمية.

لكن واقع الحال يؤكد بالملموس أنكم فشلتم في تحقيق ذلك، وأنكم لم تتمكنوا من القطع مع السياسات السابقة، ولم تتمكنوا من الحد من التراجع في المنظومة التعليمية، وهو ما نعكس سلبا على باقي القطاعات والمجالات، على الصحة والتشغيل والاقتصاد، لأننا نعتبر صلاح التعليم من صلاح الأمة، إن صلح صلحت معه كل المجالات وإن تعثرنا فيه تعثرت   معه كل المجالات.

وباستعمال قاموس تقييم السياسات العمومية، أظن أن الجميع، أغلبية ومعارضة ومجتمع مدني وأسر وأفراد، ينزع بدون تردد شرعية السياسة التعليمية المتبعة بمختلف مخططاتها وبرامجها.السيــــد الرئيـــــــــــس

يحز في القلب فعلا أن نتكلم في سنة 2019 عن استمرار الأمية في بلادنا وعن  الفشل في تعميم التمَدْرس في التعليم الأولي وفي استكمال التلاميذ للسلك الابتدائي والسلك الاعدادي.

يحز في القلب أن نتكلم كل سنة عن الاكتضاض، وعن الهدر المدرسي، ونقص الأطر والموارد البشرية، ومشكل اللغة والتعليم الأولي والدعم التربوي، وعن ضعف المردودية الداخلية والخارجية، وعن استمرار تذيلنا لمختلف التصنيفات الدولية ذات الصلة..الحكومة للاسف الشديد مستمرة في سباتها وتقف وضعية المتفرج على هذا النزيف، وهي ترى أن التعليم في المغرب لم يعد يغري أحدا للأسف الشديد.

اسألو الآباء عن تكاليف تمدرس ابنائهم و عن “سوق” دروس الدعم التي تبين البون الشاسع بين الطلب المتزايد على جودة التعليم و هزالة العرض التعليمي في القطاع العام و الخاص.

على العموم، احتراما للشعب المغربي، اعتقد أنه من الأنسب أن لانطيل الحديث عن النتائج الكارثية للسياسة التعليمية حتى لانحرك السكين في الجرح (Pour ne pas remuer le couteau dans la plaie) وسأكتفي بملاحظتين منهجتين مساهمة من الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في الارتقاء بعمل مجلس المستشارين في ما يخص صلاحية تقييم السياسات العمومية.أولا: نعتقد أن تقييم سياسة بحجم السياسة المرتبطة بالتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لايتلائم وحجم التراكم المسجل والخبرة المتوفرة داخل مجلس المستشارين.

فاختيار سياسات ضخمة للتقييم ونحن لم نؤسس بعد لتقاليد حقيقية في هذا الشأن يجعلنا كما السنوات الماضية نكتفي باستنساخ مضامين التقارير الموجودة و بمناقشة المشاكل و الاكراهات التي تعترض تفعيل هدا الاختصاص الحيوي ان على مستوى المرجعيات و المناهج أو على مستوى الاليات التقنية.

في تقديرنا، كان عمل مجلس المستشارين سيكون ذا قيمة مضافة حقيقية ان تم تركيز جهد اللجنة الموضوعاتية على تقييم اثار بيداغوجيا الكفايات او تقييم اثار تدريس الامازيغية او “بدعة” التعاقد و  غيرها من البرامج و التدخلات العمومية المركزة ذات محيط و باريمتر (Périmètre) محدد بأهداف خاصة (Objectifs spécifiques) و عامة (Objectifs généraux) واضحة و موارد محددة.

ثانيا، أتأسف لكون عمل اللجنة لم يعمد على تحديد المرحلة الزمنية المعنية بالتقييم بدل أن يتم تعويم الفشل، اليس الهدف من التقييم اولا و اخيرا هو أن نعطي لقيصر ما لقيصر و لله ما لله وتحديد المسؤوليات و رصد نقط النجاح و الفشل. 

على العموم، أعتقد أن  الحكومة الحالية تعمل وفق منطق ” كم حاجة قضيناها بتركها” ولم تقم بأي اجراء يذكر لتصحيح الاختلالات.

السيد الرئيس،

السادة الوزراء ،

السادة المستشارين

أما فيما يرتبط بتقييم السياسات العمومية في قطاع الصحة، فالأعطاب والاختلالات تتفاقم يوما بعد يوم، والتدابير والإجراءات المعتمدة تبقى بدون جدوى، في انتظار الاعلان الرسمي عن افلاس هذا القطاع.

أن آفة القطاع يمكن اجمالها في معضلات الحكامة بالقطاع والتي كشف عن جزء منها  مؤخرا تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

وهي المسؤولة عن تردي وغياب الخدمات الصحية وقلة الاطر الصحية اللازمة، وهي المسؤولة عن تفاقم الفوارق الصارخة في توزيع الموارد البشرية وفي الولوج الى الخدمات الطبية مابين الجهات، وفي الجهة الواحدة مابين العالم القروي والعالم الحضري.ويبقى أحد المؤشرات الدالة على أزمة القطاع الصحي، هو ما نعيشه اليوم بخصوص الوضع الوبائي للأنفلونزا خاصة انفلونزا H1 N1 والتي تؤكد أن الوضع الصحي ببلادنا يفتقد للرؤية الاستباقية والتدابير الفعالة للوقاية والعلاج.

إضافة إلى مؤشرات أخرى مقلقة تكشف عن قصور هيكلي بين للعرض الصحي والنقص الكبير للأطر الطبية والصحية، وتفاوتات كبيرة في الولوج إلى الخدمات الصحية:

  • معدلات وفيات الأمهات ووفيات الرضع والأطفال أعلى مرتين من المعدلات المسجلة في تونس؛
  • مغربي من بين 4 لا يلجؤون الى الخدمات الصحية عندما يصابون بالمرض ويسلمون امرهم لله بسبب ضعف الخدمات الطبية و انعدام تكافؤ الفرص في الولوج الى التطبيب؛
  • الاعلان الجماعي لعدد كبير من الأطباء من القطاع العام على استقالاتهم، بحثا عن آفاق أرحب.
  • تتحمل الأسر المغربية وخاصة الفقيرة منها أزيد من 56% من تكاليف الخدمات الصحية.

السيد الرئيس،

في الختام أؤكد لكم أن ترسيخ ثقافة تقييم السياسات العمومية ببلادنا، وتملك الممارسات الفضلى المتعارف عليها دوليا،يتطلب انخراط الجميع برلمانا و حكومة وباحثين ومكاتب الدراسات، والخبرة والمؤسسات الدولية المانحة ، لأن ذلك هو الكفيل بأن يساعد البرلمان بالاضطلاع بدوره كاملا و بأن يصبح هيئة حقيقية للتقييم، ونجدد في هذا الصدد دعوتنا الى الحكومة  لاحداث دلائل مرجعية لتقييم السياسات العمومية يتم تحيينها بشكل دوري ومنتظم حتى تكون نموذجا يسترشد به في مختلف عمليات التقييم.

وشكـــــرا لكـــــم


اترك تعليقاً