هل سيتصرف السيد بنكيران كرجل دولة وفق منهجية :
خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلولي الوطن ؟
المدير المسؤول ورئيس تحرير موقع علوي بريس
محمد علوي مذغري
في ظـــــل “البلوكاج السائد في المشهد السياسي المغربي”، والذي تجسد بالملموس بعد فشل السيد عبد الإله بنكيران في مشاورات تشكيل الحكومة مع الفرقاء السياسيين، منذ تكليفه بهاته المهمة من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بتاريخ 10 أكتوبر 2016.
هاته المشاورات الحكومية التي قادها السيد عبد الإلهة بنكيران بحسب بعض المحللين السياسيين، كرجل سياسة “بصفته الحزبية : أمين عام حزب العدالة والتنمية”، حيث المقر المركزي لهذا الحزب المغربي الذي تصدر نتائج الإنتخابات التشريعية اقتراع 07 أكتوبر 2016 ب 125 مقعدا برلمانيا، احتضن العديد من اللقاءات التشاورية مع زعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان المغربي من أجل تشكيل الحكومة، وجميعها كما هو معلوم باءت بالفشل لحد الآن، على اعتبار أن الأعمال بخواتمها.
هذا البلوكاج اعتبره بعض الوطنيين الغيورين، تحصيل حاصل لا يدعو إلى كثرة الكلام، بقدر ما يدعو إلى التأمل الإيجابي، والقراءة الصحيحة لهذا الوضع المقلق، وذلك في أفق تشخيص مواطن الخلل والعمل على تصحيحها، تفاديا لإهدار المزيد من الفرص الكفيلة بإخراج البلاد من هذه الأزمة المفتعلة.
وقبل الغوص في هذا الموضوع، وارتباطا بالعلاقة الجدلية بين حكمة وتبصر رجل الدولة، مقارنة مع تهور وتسرع رجل السياسة في تدبير الشأن العام في الكثير من الأحيان، نستأنس ولكل غاية مفيدة، بفقرات من إحدى مقالات الصحفية للمحلل السياسي المغربي الدكتور ميلود بلقاضي، الذي أكد من خلالها أن هناك ثمة فرق منهجي كبير بين السياسي ورجل الدولة في تدبير ملفات الأزمات، على اعتبار أن :
- منهجية السياسي ترتبط دائما بالفعل الانتخابي، وبالمصالح السياسية الآنية الضيقة، وبإقصاء الآخر، وبالبحث الدائم عن تأزيم الوضع لربح بعض المكاسب السياسية أو المادية أو الاجتماعية، عبر اتخاذ قرارات متسرعة أو القيام بمناورات تكتيكية.
- أما رجل الدولة فهو شخصية كارزماتية تتوفر فيه شروط القيادة الاستراتيجية والمقاربة الشاملة للقضايا والتريث والتعقل وعدم اتخاذ القرارات المتسرعة أو إصدار بلاغات ردود الفعل. إضافة الى تدبيره للملفات بكيفية متزنة وموضوعية وحكيمة لا تضر بمصالح العباد والأوطان.
من هنا يتبين أن الفرق بين السياسي ورجل الدولة هو مسألة عقليات ومقاربات استراتيجية أو تكتيكية، ورؤى موضوعية أو ذاتية، والاختيار بين مصالح الحزب ومصالح الوطن.
وخلص في نفس مقاله إلى أن :
مغرب اليوم بحاجة إلى رجال دولة يخرجون البلد من الأزمات، بعيدا عن اتخاذ أي قرار وإصدار أي بلاغ متسرع أو كرد فعل، وليس بحاجة إلى سياسيين ما أن يخرج المغرب من أزمة حتى يتسببون في أخرى عبر المتاجرة بالمواقف والبحث عن المواقع والغنائم واتخاذ القرارات المتسرعة والبراغماتية.
وبالنظر إلى موضوعية هذا التحليل الأكاديمي، نأمل صادقين من جميع الفرقاء السياسيين زعماء الأحزاب المعنية، وهم يشاركون إلى جانب السيد عبد الإله بنكيران في تدبير المشاورات الحكومية ، أن يستحضروا دلالاته الجيوسياسية، ناهيك عن التداعيات السلبية لهذا البلوكاج الحكومي بتكلفته السياسية والإقتصادية، إن على المستوى الوطني أو الاقليمي، وعلى الخصوص القاري الذي تربط بلادنا بالعديد من الدول الإفريقية اتفاقيات الشراكة المبرمة، التجارية منها والصناعية، بكل أبعادها الجيوستراتيجية المنشودة.
ولعل من بين الأسباب التي ساهمت في استمرارية هذا البلوكاج المأسوف عليه، ربما عدم تدبير هاته المشاورات الجكومية من طرف السيد عبد الإله بنكيران كرجل دولة، ولعل ذلك قد تجلى من خلال بعض القرارات المتسرعة التي اتخذها، وكذا بعض التصريحات اللامسؤولة التي أدلى بها للصحافة أو خلال لقاءاته الحزبية، والتي أثارت حفيظة محاوريه السياسيين، مما ساهم بشكل أو بآخر في تأزيم الوضع وتأجيل الوصول إلى الحل التوافقي من أجل تشكيل حكومة قوية منسجمة، ترقى إلى طموحات جلالة الملك حفظه الله.
وفي سياق ما سبق ذكره، حري بنا أن نستحضر إحدى نظريات الفيلسوف الألماني، وعالم الإجتماع الكبير، المنظر السياسي ماكس فيبر، التي أكد من خلالها أن :
رجالات الدولة لا يصلون إلى مواقع السلطة من فراغ، بل هم نخبة تفرزهم الاختيارات الصعبة، والظروف الحرجة، ليكونوا رجال إيجاد الحلول، وليس رجال البحث عن الأزمات.
ومن هنا استسمح السيد عبد الإله بنكيران في طرح هاته الأسئلة المتواضعة :
- هل سيستأنف السيد عبد الإله بنكيران مشاوراته المقبلة من أجل تشكيل الحكومة كرجل دولة، أم أنه سيدبرها كسابقاته كرجل سياسة ؟
- هل سيستحضر السيد عبد الإله بنكيران مصلحة الوطن، وانتظارات المواطنين، وتطلعات صاحب الجلالة أمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله ونصره ؟ أم ستبقى دار لقمان على حالها، ويستمر معها هذا البلوكاج، آنذاك سيكون التدخل الملكي هو الحاسم هذه المرة.
- ألم يتمعن السيد عبد الإله بنكيران في مضامين القصيدة الخالدة التي أداها الفنان العربي الكبير لطفي بوشناق وعيناه وهو يؤديها فوق منصة الحفل، تذرف دموع الحسرة والألم، وأنا على يقين أن السيد عبد الإله بنكيران لو تفضل بمشاهدة تسجيلها الكامل في هذا الشريط، لذرفت عيناه دموعا كثيرة، وكيف لا وهو صاحب القلب الرهيف، والتأثر العميق، والإحساس الكبير بقضايا الوطن وهموم المواطنين، والقصيدة الرائعة تحمل عنوان :
خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلولي الوطن
إذا كان فعلا السيد عبد الإله ينكيران ومن خلاله جميع الفرقاء السياسيين المعنيين بالمشاورات الحكومية “ونحن لا يخالجنا أدنى شك في وطنيتهم جميعا”، يقدسون مصلحة الوطن التي نعتبرها نحن كمواطنين مغاربة غيورين على مقدسات هذا الوطن : “غير قابلة لأية مساومة أو مماطلة أو تسويف”، فيتعين على رئيس الحكومة المكلف السيد عبد الإله بنكيران ومن خلاله قيادات الأحزاب التي ترغب في المشاركة الحكومية، استحضار والتمعن في مضامين الخطاب الملكي السامي التاريخي بالعاصمة السينغالية دكار 6 نونبر 2016، بمناسبة تخليد الذكرى 41 للمسيرة الخضراء المظفرة، والتي يمكن إعتبار إحدى فقراته التالية، خارطة الطريق الرشيدة والملزمة لجميع قادة الأحزاب السياسية، عند إقتراح الأسماء لمختلف الحقائب الوزارية، حيث قال جلالته أعز الله أمره بهذا الخصوص :
إن المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية.
بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا.
حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه.
الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة.
وسأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها.
فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة.
كما يتعين عليهم كذلك، التحلي بمقومات الوطنية الصادقة وخصال رجال الدولة الزاهدين في الحقائب الوزارية، والراغبين في خدمة الوطن بتفان وإخلاص ونكران الذات، وفق منهجية رجال الدولة العظماء الذين ينقش التاريخ أسماءهم بحروف من ذهب، والذين يجسدون من خلال مواقفهم التابثة الراسخة في وجدانهم :
خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلولي الوطن
تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، باني صرح الأمة المغربية، والساهر الأمين على ضمان وحدتها وعزتها وكرامتها، وتقدمها ورقيها، وتنميتها وازدهارها، بين الأمم الصاعدة.