احتضنت العاصمة موريطانيا مدينة نواكشوط يومي الجمعة والسبت 20 – 21 أبريل 2018، أشغال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها جامعة شنقيط العصرية، بشراكة وتعاون مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة، حول موضوع :
“دور العقيدة الاشعرية في الحفاظ على تماسك المجتمع الموريتاني”
خلال الجلسة الإفتتاحية لهاته الندوة العلمية، أكد فضيلة الأستاذ الدكتور حميد لحمر رئيس الوفد المغربي خلال كلمته التي ألقاها بإسم مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمدينة فاس العالمة بالمملكة المغربية، أن جامـعـة شـنـقــيـط العــصريـة تحت إشراف مديرها المقتدر فـضـيـلة الأخ الأسـتــاذ الدكـتـور الـشـيخ محـمـد المخـتـار ولـد باه، عـضـو المـجـلس الأعـلـى بالمـؤسسـة، وممـثـل هــذا الـبـلـد الشـقـيـق بها، ومن خلال إختيارها لمدارسة هذا المـوضـوع الذي يعتبر فـي الــواقـع في غـايـة الأهـمـيـة، على اعتبار أنه يـعـالـج ثابـتا مـن الـثـوابـت الـدينـية السنيـة الأساسـيـة المشـتركة بـين بـلـدين شقيقين : المـمـلكة المغـربيـة، والجـمهـورية الإسلامـية الـمـوريتانية، الذين تجمع بينهما روابط التاريخ والجغرافية وحسن الجوار.
هو ثابت العـقـيـدة الأشـعـريـة، مـذهـب أهـل السـنة والـجمـاعـة، الذي يعـتـبـر مـن التـواثـب الأساسـية الأصـيـلـة لـمـجـتـمع الـجـمهـورية الإسـلامـية المـوريتانـية، الــتي سـاهـمت بشكل كبير في تمـاسـك ساكنتها الغراء، التي يتعين عليها حـمايـته وصـيـانـته من الـتـيـارات الـفـكـرية المـنحـرفــة الضالة.
وهو قـاسـم قــوي مـن الـقـواسم المشـتـركة مع ساكـنـة المـملـكـة المغـربـيـة وباقـي أغـلـب سكان بـلـدان بالقارة الإفـريـقـية الكـبـرى.
وهو ثابـت عــقـدي سـني، يأتـي في مـقـدمـة التـواثـب الـدينـية الـتي لعــبـت دورا كبـيـرا في تمـاسـك المجـتـمعـات الإسـلامـية قـديـما بشمـال إفـريـقـيا ودول السـاحل وشـرقـها و غـربـها، مما يتعين علي الجميع العـنايـة به والحـفـاظ عليه وصيانـته، إلى جـانب تـواثـب أخـرى مشـتـركـة أصـيلـة ببلدان هذه القارة السمراء.
وهــو فـي الـواقـع ، تـفـعــيـل لأحــد بـنـود مـؤسـسة محـــمـد الســادس للعــلـماء الأفـارقـة، التي انـبـثــقـت عــنـد مـؤسسـها أمـيـر المـؤمنـيـن، صاحـب الجـلالة المـلك مـحـمـد السـادس –أعــزه الله- بكـيـفـية طـبـيـعـية ، مـن أمـرين أساسيـين هــمـا :
-أولا : الإحـسـاس بأمـانـة الـتـاريـخ ، والـتـبـصـر بما يقـتـضـيه الحـاضـر والمستـقـبـل، مـن حـمايـة أمـر الــديـن ، حـمـايـة صـيانـة ، وحمـايـة تـنمـيـة ، و لا سيـما بالـنـظـر إلـى مـا يعــيـشـه العـالـم بخـصـوص هــذا الـمـجـال .
-ثـانـيا : ما أكــد جـلالـتـه حفظه الله ورعاه في خــطـابه السامي الذي ألقاه خلال تـنـصـيـب المـجـلـس الأعـلى للـعـلـماء الأفـــارقـة بجـامـع الـقـروييـن بتاريخ 8 رمضان 1437ه المـوافـق ل 24 يونيـو 2016، حيث أكد جلالته نصره الله، أن الـغــرض مـن هــذه الـمـؤسسـة ، هــو أن تشـكـل إطـارا للـتعـاون ، وتـبـادل الـتـجـارب ، وتـنسـيـق الجـهـود بيـن العــلـماء الأفـارقـة، للـقــيام بـواجـبـهـم فـي الـتـعـريـف بالـصـورة الحـقـيـقـية للـديـن الإسـلامـي الحـنـيـف، و بقـيـمه السمـحـة الـقـائـمة عـلى الاعــتـدال و الـتـسامـح.
وبخصوص الـعــلاقـات الـتاريخـية التي تجمع بيـن المـملـكـة المغـربـية و الجـمهـوريـة الإسلامـية الموريتانية، وبـاقـي المسلـميـن في عــدد مـن الـبـلـدان الإفـريـقـيـة، أكد رئيس الوفد المغربي الدكتور لحمر أكد كذلك أنها عـلاقـة أخــذ وعــطـاء، قــوامـها الاشـتراك في العـنـاصـر الأساسيـة للـهـويـة الـديـنـية الـتـي مـنـها :
الـعــقـيـدة الأشـعــريـة، والمـذهــب المالكي، والـتـصـوف السـنـي.
وأن الشعوب الإسلامية بالبلدان الإفـريـقـيـة، يـدركـون جـيـدا سـبـب اخـتـيـار أجــدادهـم لعــناصـر هــذه الهـوية، ويعـرفـون أنه كـان اخـتـيـارهـم الأفـضـل والأمـثـل و الألـيـق بالبـيـئـة الإفــريـقـيـة الـملائـم لـهـا، مما يجسد الحـصانـة الـتـامـة مـن عــقـيـدة أقـلـيـة قـلـيلـة مـن الـقـائلـيـن بجــواز تكـفـيـر الـناس عـلى أسـاس أفـعـالهـم، و بالـتالي جــواز العــدوان عـلـيـهـم بـطـرق الإرهــاب.
كـما أن اخـتـيـارهـم للـمـذهــب المـالكي، هو اخـتـيـار منـاسـب لقـابلـية هــذا الـمـذهــب الانـفـتـاح عـلى جـمـيـع الـمـذاهـب الـفـقـهـيـة السـنـيـة، فـي إطـار مـا يسمـى عــنـدنـا بمـراعــاة الـخـلاف الـفـقـهـي، و كـذا قـابـلـيـتـة إدمـاج عــدد مـن عـناصـر الـثـقـافـة المـحـلـية في الحـيـاة العـامـة – مـن عــادات و أعــراف – ما لـم تـتـناقـض مع قـطـعـــيـات الشـريـعـة.
الدكتور حميد لحمر أوضح أن مـؤسسة محـمـد الســادس للـعـلـماء الأفـارقـة، ومـن هــذه المنـطـلـقـات الـثـلاثـة الـصلـبة الأسـاسـيـة الـمـعـتـمـدة فـي تكـويـن الشـخـصـية الإفـريـقـية الـمسـلـمـة، وتـحـت سـقـف إمـارة الـمـؤمـنـيـن، تـبـدو أنـها لـيـست مجــرد جـمعــية أو هـيـئة مجــتـمـع مـدنـي نـفـعـي نشـيـط، وإنـمـا هـي مـؤسـسـة حـامـلة لمـشـروع إفـريـقــيا الـديــني : العــقـدي والفـقـهـي والأخـلاقـي الـسلـوكي، الـنـابـع مـن الاخـتـيـارات الأصـلـيـة لأهــل الـبـلـدان الإفـريـقـيـة.
هــذا المـشـروع الذي راعى في مادتـه الـرابـعـة “4”، تـحــديـد تـحـقـيـق مـجـمـوعـة مـن الـمـبـادئ والأهــداف السـامــيـة، مـنـها :
1- توحـيـد وتـنسيـق جـهـود الـعـلـماء المسلمـيـن، بكـل مـن الـمـملـكة الـمغــربية، وباقـي البـلـدان الإفـريـقـية، للـتعــريف بـقـيـم الإســلام السمـحـة ونشـرها وتـرسيـخـها.
2- الـقــيـام بمـبادرات في إطـار كـل مـا مـن شـأنه تفـعــيـل قـيـم الـديـن السمـحة في كـل إصـلاح تـتـوقـف عـلـيه عـملـيـة التـنمـيـة فـي إفـريـقـيا، ســواء عـلى مسـتـوى الـقـارة ، أو عـلى صعــيـد كـل بـلـد.
3- تـنـشـيـط الحـركـة الـفـكـرية والعـلـمـية والـثـقـافـية فـي المجـال الإسـلامـي.
4- تـوطـيـد الـعــلاقـات الـتاريـخـية الـتي تـجـمـع المـملـكة المغـربيـة وبـاقـي دول إفـريقـيا، والـعـمـل عـلى تـطـويـرهـا.
5- الـتـشجـيـع عـلى إقـامـة المـراكـز، والمـؤسـسات الـديـنـية والعـلـمـية والـثـقـافــيـة.
6- إحـيـاء الـتـراث الـثـقـافـي الإفـريـقي الإسـلامي الـمـشـتـرك، مـن خـلال الـتـعــريـف به ونـشـره ، والـعـمـل عـلـى حـفـظـه وصيـانـتـه.
7- ربــط الـصـلات، وإقـامـة عــلاقـات الـتـعـاون، مع الـجـمـعــيات والهـيــئـات ذات الاهــتـمام المشـتـرك.
وفي ختام كلمته التي ألقاها بإسم مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أكد رئيس الوفد المغربي الأستاذ الدكتور حميد لحمر أن :
- عـلـماء المـملـكـة المـغـربـيـة، هــم جــزء لا يـتـجـزأ مـن الأســرة الإفــريـقـية الكـبــيـرة، والعلماء الموريتانيون منهم. –
- وأن القـارة الإفـريـقـيـة هـي الوطـنن الكـبـيـر الذي يتسع للجـمـيـع.
- وأن الجمهورية الإسلامية الموريتانية بوابتها الكبرى.
- وأن علماء المملكة المغربية جــنـود مجـنـدون، كإخـوانهـم مـن عــلـماء إفـريـقـيا للانـخـراط في ميـثـاق رفــع الـتـحــدي عــن أوطـان بلدان القارة الإفريقية، والـوقــوف بالـمـرصـاد لـكـل الـضالـيـن الـمـضـلـيـن.
كما جدد تأكيده على أن علماء المملكة المغربية يغمرهم الأمل ولهم القدرة على حـمـل الأمـانة المـوضـوعـة عـلى عـاتـقـهم، أوفـياء لـهـا مخـلـصـيـن فـي أدائـها، سائـلـيـن الله عــز وجـل الـعــون والـتـوفــيـق، وأن يحـقــق الله جلت قدرته فـيـهم رجـاء مـبـدع هــذه المـؤسـسة، أمـيـر المـؤمـنـين صاحــب الجـلالـة المـلك محـمـد السـادس حفـظه الله، ورجـاء الأمـة الإسلامية بالقارة الإفريقية أيــضـا، ومن خلالها شعوب القارة التواقة إلى الأمن الروحي والإستقرار العقائدي، و أن ينـبـت في تـربـتها الـتي صبـرت وصابـرت، وجـاهـدت وانـتـصـرت، مـن يـجـدد لـهـا أمـر ديـنها، في يسره و اعــتـداله وصـفـائه وسماحـته.
كـمـا تضرع إلى المولى جلت قدرته قائلا في هذ الصدد :
نسـأل الله تعـالى أن يـبـارك فـي أعــمال هــذه الـنـدوة الــدولـية الـهامـة، وأن يكـلل أعـمالـها بالنـجـاح وتحـقـيـق الأهــداف، وأن يـحـفــظ سبـحانـه وتـعـالى قـائـدا البـلـديـن الشقـيـقـيـن، جـلالـة المـلك محـمـد السـادس مـلك المملـكة المغـربية، وشـقـيـقـه فـخـامـة الـرئـيـس مـحـمد ولـد عــبـد الـعـزيـز، رئيـس الجـمهـورية الإسـلامـيـة الـموريـتـانـيـة، إنـه سـمـيـع مـجــيــب الــدعــوات .
قـال تعالى :
” و قـل اعـملـوا فسـيرى الله عـملـكم و رسـوله و المـؤمـنون ”
صـدق الله العـظـيم
و السـلام عـليـكم و رحـمـة اللـه