احتضنت مدينة فاس العاصمة العلمية للمملكة [مهد طلب العلم والتفقه في الدين والتصوف السني، وقبلة العلماء والفقهاء والأولياء] أيام الجمعة والسبت 19 – 20 ربيع الأول 1439هـ، الموافق لـ: 8 – 9 دجنبر 2017م، الدورة العادية الأولى لاجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الذي ترأس جلسته الأولى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق الرئيس التنفيذي لهذه المؤسسة، والذي تميز بحضور جميع أعضاء المجلس الأعلى للمؤسسة، وعددهم حوالي ثلاثمائة [300]من العلماء من 32 بلدا إفريقيا ينتمون إلى دول :
النيجر، كينيا، الصومال، بوركينافاسو، تشاد، موريتانيا، جزر القمر، بنين، غامبيا، مالي، جيبوتي، أنغولا، إفريقيا الوسطى، الغابون، إثيوبيا، سيراليون، مدغشقر، غينيا بيساو، نيجيريا، رواندا، جنوب إفريقيا، السنغال، كوت ديفوار، الكاميرون، الكونغو، التوغو، ساوتومي، ليبيريا، غانا، غينيا كوناكري، تانزانيا، السودان، من بينهم أزيد من 80 امرأة، إلى جانب 20 من العلماء المغاربة الأعضاء بهاته المؤسسة من بينهم 4 نساء عضوات في المجالس العلمية المحلية.
الجلسة الإفتتاحية لهذا الإجتماع تميزت بالكلمة التوجيهية التي ألقاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق، والتي أكد من خلالها أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة قد انبثقت عند مؤسسها أمير المؤمنين، صاحب الجلالة محمد السادس أعزه الله، بكيفية طبيعية، من أمرين أساسيين هما الإحساس بأمانة التاريخ والتبصر بما يقتضيه الحاضر والمستقبل من حماية أمر الدين، حماية صيانة وحماية تنمية، ولاسيما بالنظر إلى ما يعيشه العالم بخصوص هذا المجال، مستحضرا في ذلك ما أكده جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره في خطاب تنصيب هذا المجلس بجامع القرويين بتاريخ 8 رمضان 1437 الموافق ل24 يونيو 2016، قال جلالته حفظه الله وسدد خطاه :
إن الغرض من هذه المؤسسة هو أن تشكل إطارا للتعاون وتبادل التجارب وتنسيق الجهود بين العلماء للقيام بواجبهم في التعريف بالصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، وبقيمه السمحة القائمة على الاعتدال والتسامح.
السيد أحمد التوفيق الرئيس التنفيذي لهذه المؤسسة أكد كذلك في معرض كلمته، أن العلاقات التاريخية وإلى يومنا هذا بين المملكة المغربية وبين المسلمين في عدد من البلدان الإفريقية هي علاقة أخذ وعطاء قوامها الاشتراك في العناصر الأساسية للهوية الدينية التي منها العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، ومعلوم أن الجماهير الواسعة في إفريقيا، ومن ضمنها المغرب، يكتشفون أن اختيار أجدادهم لعناصر هذه الهوية كان الاختيار الأمثل.
واستطرد قائلا، أن اختيار العقيدة الأشعرية يعني الحصانة التامة من عقيدة أقلية قليلة من القائلين بجواز تكفير الناس على أساس أفعالهم وبالتالي جواز العدوان عليهم بطرق الإرهاب، كما ندرك أن اختيار المذهب المالكي اختيار مناسب لقابلية هذا المذهب لإدماج عدد من عناصر الثقافة المحلية في الحياة العامة ما لم تتناقض مع قطعيات الشريعة، ونكتشف أيضا أن تقبل فكرة التصوف ينطوي على السعي لكمال يجمع بين ظاهر الدين وجوهره في الحياة الروحية المتجلية في السلوك الأخلاقي ومحبة الخلق بناء على علاقة المحبة مع الخالق.
وهكذا يفهم التكامل بين عمل العلماء وعمل أهل التصوف على أنه الكمال المطلوب لاسيما في هذا الوقت الذي يتعرض فيه نهج التصوف لاتهامات الذين يرونه من البدعة، في حين أن أصوله في الكتاب والسنة تجعله بمثابة كنز ينبغي أن يحميه ويدافع عنه العلماء.
السيد أحمد التوفيق أكد كذلك أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ليست مجرد جمعية أو هيئة نشيطة أو نفعية، إنها حاملة لمشروع إفريقيا الديني الأخلاقي النابع من الاختيارات الأصلية لأهل البلدان، مع ما تنطوي عليه هذه الاختيارات من رأسمال لامادي يمكن استثمار أبعاده الوجودية والكونية والحقوقية والإحسانية، خدمة للناس في إفريقيا، وبيان لفضائل التدين في نمط حياة مبني على حكمة مراد الله في الخلق، على اعتبار أن العلماء الأفارقة بتعاون مع إخوانهم المغاربة قادرون على بناء نموذج صحيح يحمل الرحمة للناس.
وفي ختام كلمته التوجيهية التي تجاوب معها العلماء المشاركون بنوع من الإصغاء والإقتناع والتقدير، أكد السيد أحمد التوفيق الرئيس الننفيذي لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أن المكاتب الفرعية على صعيد كل بلد حرة في وضع مضامين برامجها بمراعاة ضوابط منها:
- التقيد بقوانين كل بلد وسياسته ومراعاة مصالحه ومساطره.
- الأهداف المسطرة في القانون المحدث للمؤسسة، ويمكن إلى جانب المحاور العامة اقتراح محاور خاصة حسب كل البلدان.
- توفر وسائل الإنجاز، علما بأن الوسائل يمكن أن تكون محلية إذا وافق عليها المجلس الأعلى للمؤسسة.
- مراعاة الجدوى والفعالية والأولوية.
وعلى سبيل المثال فإن هذه البرامج يمكن أن تشمل ما هو ممكن ومطلوب من العمليات في مجالات منها:
- التبليغ والتوعية بسياق النزول وسياق التنزيل، بهدف تحصين الثوابت الدينية في كل بلد وحماية الناس والشباب خاصة من إغراء فكر الإرهاب.
- إحياء المناسبات الدينية.
- التنشيط الفكري، ولاسيما عن طريق المنشورات وعن طريق وسائل التواصل الحديثة؛
- دعم التعليم الديني، ولاسيما بالتأطير بالقيمين الدينيين، وهو أمر يتوقف على التكوين والتكوين المستمر وكذا تخويل المنح للطلبة.
- القيام بأنشطة الإحسان الاجتماعي المنظمة في إطار القانون والشفافية؛
- الإسهام الممكن في تنظيم أداء فريضة الحج.
- يضاف إلى هذه الجوانب الدينية الصرفة القيام بخدمات تتوقف عليها الإعانة على أداء واجبات الدين ويتمثل فيها التحلي بأخلاقه.
كما أكد كذلك أنه من السمات والشامات التي ينبغي أن تقترن بهذه المؤسسة وتوجهها في عملها أربع سمات على الخصوص:
- الإخلاص لله تعالى في القصد، ولابد أن يظهر هذا السمت للناس في نموذجية العاملين في المؤسسة في كل أحوالهم وتصرفاتهم، ولاسيما في ما يتعلق بجوانب التدبير.
- التعامل مع المحيط بكل مكوناته في كل بلد، تعاملا يتميز بالحكمة والمروءة حتى يقنع الجميع بجدوى وجود هذه المؤسسة وبمشروعها الديني الأخلاقي وبنفعها العام.
- السير بالمؤسسة سيرا حثيثا ثابتا لا يتأثر بالدعايات والتوجسات ولا يخوض مع التيارات في أي نوع من المنافسة أو الجدال مع التعاون مع جميع ذوي النيات الحسنة والاحترام التام لكل المنتمين للأطياف الدينية والمذهبية والفكرية.
- إنجاز أعظم الأعمال بأقل التكاليف.
ومن بين أهم ما ميز أشغال الجلسة الإفتتاحية للدورة العادية للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الكلمة الراقية البليغة التي ألقاها بإسم العلماء الأفارقة الأعضاء بهاته المؤسسة، فضيلة الشيخ إبراهيم صالح الحسيني، رئيس المجلس الإسلامي بدولة نيجيريا الشقيقة، والتي وبالنظر إلى حمولتها الفقهية المستمدة أصولها من الكتاب والسنة، ودلالاتها الشرعية المنبثقة عن قناعات العلماء الأجلاء الذين يمثلون 32 بلدا إفريقيا، نضع نصها الكامل بعد توثيقه بالصوت والصورة رهن إشارتكم، لكل غاية مفيدة :
جدير بالذكر أن مداولات المجلس الأعلى للعلماء الأفارقة في دورته العادية الأولى الذي احتضنتها مدينة فاس على مدى يومي الجمعة والسبت 19 – 20 ربيع الأول 1439هـ، الموافق لـ: 8 – 9 دجنبر 2017م، تمحورت حول سبل التحقيق الميداني لأهداف المؤسسة كما هو منصوص عليه في الظهير الشريف، المادة 4، والتي منها :
- صيانة الثوابت العقدية والمذهبية والروحية المشتركة بين المملكة المغربية وبلدان إفريقيا.
- بيان وإشاعة الأحكام الشرعية الصحيحة.
- إشاعة الفكر الإسلامي المعتدل.
- إحياء التراث الثقافي الإفريقي الإسلامي المشترك، وكذا توطيد العلاقات التاريخية التي تجمع المملكة المغربية وباقي الدول الإفريقية.