مطالب بتعديل حالات التنافي حول الجمع بين المسؤوليات الوطنية والمحليةبقلم : الدكتور كريم القرقوري
باحث في القانون العام، والسياسة، والإعلام
أثار الجمع بين المسؤوليات الوطنية والمحلية داخل الحكومة المعينة حديثا من طرف جلالة الملك، جدلا واسعا في المغرب، طفت معه على السطح ظاهرة الجمع بين منصب وزاري ورئاسة جماعة ترابية، وهو ما شكل انتقادا واسعا من طرف النخب المدنية والسياسية والمثقفين بالبلاد، الذين استغربوا ما يتاح لعشرات المسؤولين من ترأس إحدى الجماعات الترابية ومجالس الغرف، والعضوية في الحكومة والبرلمان.ويرى خبراء أن المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، والوضع القانوني لأعضائها، لم تكن موفقة في مشمولات التنافي لأعضاء الحكومة. هذا القانون الذي يعتبر مكملا لدستور 2011، كان يعول عليه من أجل توسيع دائرة حالات التنافي، لتشمل أعضاء الحكومة، بهدف منعهم من الجمع بين عضويتها ورئاسة المدن الكبرى كالدارالبيضاء، مراكش، أكادير، طنجة، وجدة…إلخ، لتحاشي تداخل وتشابك هذه المسؤوليات، وحتى يكون هناك فصل قانوني و أخلاقي إن جاز التعبير هنا، بين مسؤوليات تدبير الشأن المحلي، الإقليمي والجهوي من جهة، ومسؤوليات تدبير الشأن العام الوطني من جهة أخرى.صحيح أن المادة 32 سالفة الذكر، أضفت على الطابع القانوني، على الجمع بين بين عضوية الحكومة ورئاسة الجماعات، إلا أنه وتماشيا مع الرهانات الكبيرة المعقودة على حكومة عزيز أخنوش، لمجابهة التحديات الكبيرة التي تنتظرها، وتنزيل وأجرأة البرنامج الحكومي الحامل للكثير من الآمال والتطلعات، يسقط رئيس الحكومة ومعه بعض أعضائها، الذين يترأسون في الآن نفسه جماعات ومدن كبرى، في العديد من المفارقات.وإذا كانت الحكومة قد استدركت مع الدكتورة نبيلة الرميلي، بعد إعفائها نهاية الأسبوع المنصرم، من مهامها كوزيرة للصحة والحماية الاجتماعية، في أسرع تعديل حكومي في تاريخ حكومات المغرب، مع الإبقاء عليها كرئيسة لجماعة الدارالبيضاء. فإن الأمر لم يكن كذلك مع عزيز أخنوش، الذي دخل التاريخ من بابه الواسع بالمغرب، كأول رئيس حكومة يجمع بين قيادة الحكومة ورئاسة جماعة في آن معا، بالرغم من المسؤوليات الجسيمة التي يطرحها منصبه الجديد، والتحديات الكبرى التي يواجهها بفعل السقف العالي للوعود التي قدمها للناخبين، أثناء حملاته الانتخابية التي قادها بصفته أمينا عاما لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة.جمع عزيز أخنوش بين مسؤولية رئاسة الحكومة، ورئاسة المجلس الجماعي لمدينة أكادير، تحت وصاية الوالي الذي هو في الأصل، موظف حكومي، يعمل بتوجه من رئاسة الحكومة عبر وزير الداخلية، في الكثير من الصلاحيات التي يضطلع بها المجلس الجماعي. كما أن وزير الداخلية سيكون بدوره تحت سلطة رئيس الحكومة في الجسم الحكومي، مما سيضعف رقابة أجهزته على هذه المجالس.زد على ذلك، أن مسؤولية رئيس الحكومة هي مسؤولية جسيمة، تفرض على أخنوش التواجد باستمرار بالرباط، وهو ما سيؤثر على مصلحة مدينة أكادير التي يسير مجلسها، وحتى على المسؤولية الحكومية التي يتحملها. بدورها فاطمة الزهراء المنصوري، تجمع بين مسؤوليتين كبيرتين في آن معا، فبالإضافة إلى كونها وزيرة التعمير والإسكان في الحكومة الحالية، فإنها تترأس منصب عمدة مدينة كبيرة من حجم مراكش، وما تمثله عاصمة النخيل من رمزية داخل الذاكرة الوطنية، وكونها القاطرة الأولى للسياحة الوطنية، مما يجعلها في حاجة ماسة إلى عمدة متفرغ من كل المسؤوليات الأخرى، بالنظر لحجم الانتظارات والملفات العالقة ذات الأولوية، على مستوى مختلف المجالات الإدارية، الاقتصادية والمجالية. وإذا كانت السيدة المنصوري تفكر في أعضاء مكتبها المسير، كبديل عنها، فإننا نتحدث هنا عن الكثير من الوجوه الجديدة التي تفتقر للكاريزما السياسية، وللتجربة المطلوبة لملئ الفراغ الحاصل في موقع القيادة، ولمحدودية التجربة على مستوى تدبير الشأن المحلي المراكشي.ولا يختلف الأمر كثيرا هنا بالنسبة لعبد اللطيف وهبي، الذي يشغل منصب وزير العدل، وفي الآن نفسه منصب رئاسة جماعة تارودانت، التي تعيش ساكنتها كثيرا من المشاكل والإكراهات التي تفرض على السيد وهبي، التفرغ التام لمجابهتها والبحث عن الحلول الناجعة والفعالة، التي وعد بها ساكنة تارودانت خلال حملته الانتخابية الأخيرة.ويبرر أعضاء الحكومة الحالية، الجمع بين المسؤوليات المحلية، الجهوية والوطنية، بالحاجة إلى القرب من المواطنين والاطلاع على مشاكلهم، وتيسير تنزيل البرامج الوطنية على المستوى المحلي، غير أن مراقبين يرون في هذا الجمع، نوعا من الهروب من المسؤولية، وتبريرا للفشل المحتمل بشأن تدبير المدن الكبرى التي يسيرونها، فالوزراء العمداء يقودون مدنا كبرى بحجم وإكراهات دول، وقطاعات وزارية كبرى في الوقت نفسه، وهذا قد يكون على حساب إحدى المسؤوليتين بالتأكيد.وهنا لا بد من التذكير بالجمع بين المناصب والمهام، وتراكم التعويضات المالية التي أثارت الكثير من النقع والجدل في وسط الرأي العام، فهذا الأمر لا يؤدي أبدا إلى تخليق الحياة السياسية، والشيء نفسه بالنسبة إلى الترافع، حيث أن رئيس الحكومة والوزراء الذين يترأسون مدنا كبرى، مطالبون برفع مشاريعهم إلى زملائهم في الحكومة، وأحيانا قد ترفع هذه المشاريع إلى نفس القطاع الوزاري الذي يترأسه، وهو ما سيزيد المشهد السياسي بلقنة، بالإضافة إلى الاستغلال السلبي للثغرات القانونية.وواقع الحال أنه لا يمكن أن نكيل بمكيالين، كأن نشرع قانونا يمنع البرلماني من الجمع بين صفته كنائب برلماني، وبين مسؤولية تدبير أمور مدينة يتعدى عدد سكانها 300 ألف نسمة، وبالمقابل يسمح لوزير أو رئيس حكومة، وما يراكمه من مسؤوليات كبيرة، تفوق مسؤوليات النائب البرلماني، بترأس مجلس مدينة من حجم طنجة، الدارالبيضاء، مراكش، أكادير، تارودانت….إلخ. ففي خطوة سابقة، جاءت بهدف عقلنة العمل البرلماني، والحد من الجمع بين المسؤوليات الانتدابية، حدد كل من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب، والقانون التنظيمي 28-11 المتعلق بمجلس المستشارين، حالات التنافي مع العضوية البرلمانية، وأسندا مهمة البث في هذه الحالات إلى : المحكمة الدستورية التي تختص بقرار تجريد العضو البرلماني الذي ثبت في حقه قبول مهمة تتنافى مع العضوية البرلمانية، خلال مدة انتدابه، بهدف ضمان الحد الأدنى للبرلماني لممارسة مهامه بشكل جيد، طيلة ولايته الانتدابية، وضمان استقلاليته عن الإدارة التي يعمل بها، وحمايته من التأثير الذي يمكن أن يمارس عليه من قبلها، إضافة إلى الحد من تراكم بعض المهام العمومية مع مهامه الانتخابية، وضمان عدم تشتت جهوده في مهام تمثيلية متعددة، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لرئيس وأعضاء الحكومة.ختاما، الدور اليوم على المشرع المغربي، الذي بات يفرض عليه التدخل العاجل، من أجل تعديل مشمولات حالات التنافي، وقطع الطريق على مثل هذه الممارسات التي من شأنها الإساءة إلى تدبير الشأن العام الوطني والمحلي، وتزيد من هوة نفور المواطنين من الشأن السياسي، وهو ما بات يفرض تعديلات تشمل القانون التنظيمي 113-14، لعل أهمها تعديل يمنع الجمع بين رئاسة المدن الكبرى و المسؤولية في الحكومة والبرلمان.