النـِّــزَاعُ حَــوْلَ الصحراء المغربية.. وَقَـــدَر التَّعَـــايُشِ الْمُمِضْ مَــعَ جَـــارٍ مُنَــــاوِئٍ
بقلم : د مصطفى المريني
يبدو أن قدر المغرب أن يتعايش مع النزاع الاقليمي المفتعل حول صحرائه الى أمد غير منظور، أو على الأقل إلى حين اهتداء حكام الجزائر إلى جادة الصواب ! أو بالأحرى إلى حين (عودة الروح ) أو ( صحوة الضمير) لدى هؤلاء القادة الألداء، وإن كانت قواميس السياسة لاتعتد كثيرا بهذه القيم المثالية، وإنما في الغالب محركها المصالح والغنائم والمكاسب والنفوذ.
فمتى تعقل الجزائر أن مصالحها الاستراتيجية تكمن بوضع يدها في يد المغرب، لبناء فضاء مغاربي قوي ومنافس، تذوب في بوتقته أوهام الزعامة الفردية؟؟؟ لفائدة قيادة جماعية تنتصب كمحاور في الدفاع عن المصالح الاقتصادية لشعوبها أمام الفضاءات والتجمعات الاقليمية المحيطة، وبالتالي تعود عن سياسة المناكفة والعداء التي اتخذتها عقيدة ضد بلد شقيق وجار، امعانا في إضعافه والنيل من وحدته وتماسكه ونسيجه الجغرافي والاجتماعي والثقافي.
وسعيا إلى بتر جزء من هذا الكيان غير القابل للتجزئ لإقامة كيان وهمي يرضي أطماعها، ويخدم أوهامها في المنطقة، علما بأن هذا المخطط البائس لن يخدم في النهاية المنطقة المغاربية في شيء، بل سيضاعف تحدياتها، ويعوق تقدمها ونهضتها، وقد يفتح عليها باب جهنم.
وأكثر الدول قابلية للاكتواء بهذه (الجهنم) هي من يدعم النزعات الانفصالية بالمنطقة؛ وذلك لاعتبارات موضوعية تاريخية وإثنية وسوسيو ثقافية، والمغرب لم ينخرط حتى الآن في هذه اللعبة البغيضة، أو بالأحرى هذه الفتنة النائمة الملعون موقظها..
إن الحكمة تقتضي أن يوسع للشعوب في المشاركة بالحكم عبر الآليات والوسائل الديمقراطية المتعارف عليها، حتى لا يشعر أحد أنه مقصي، أو غريب، أو مستثنى من المشاركة في صناعة المصير المشترك، وهذه الغاية تكفلها الديقراطية بمختلف تطبيقاتها، والتي استطاعت أن تصهر شعوبا وقبائل لا رابط ديني ولا لغوي، أو ثقافي، أو اجتماعي في إطار دولة واحدة، فما بالك بشعوب يصهرها الدين واللغة والتاريخ والتقاليد، فهي أدعى للتعايش :
لكن ما بال حكام الجزائر مغيبين عن هذه “الجدلية” ويسعون إلى التفريق بين “المرء وزوجه “؟
إن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 كحل للنزاع المفتعل حول الصحراء، يندرج ضمن هذه الرؤية الواسعة الهادفة إلى توسيع وعاء المشاركة أمام الجهات والأقاليم والمناطق المكونة للدولة، لتدبير شؤونها المحلية بما يلزم من الاستقلالية والحرية، وهو توجه ديمقراطي وعصري يجاري أساليب وأنظمة الحكم المعاصرة..
ومؤدى هذا المقترح بالنسبة لأقاليم الصحراء، يتمثل في تمكين مواطنيها من تنظيم وتدبير شؤونهم المحلية بأنفسهم؛ بما في ذلك انتخاب هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وذلك على قاعدة دستورية ثابتة، وبضمان دولي.
وأجزم أن إخوتنا الصحراويين المتبقين في مخيمات تندوف لم يسمعوا بالحكم الذاتي؛ لأنهم يعيشون في غشاوة الدعاية المغرضة، ولو تركت لهم حرية التحرك لحجوا زرافات ووحدانا ليتدافعوا مع إخوانهم للارتقاء باقليمهم، معززين مكرمين، ويتنافسوا مع شركاءهم في الوطن لبناء دولة متطورة ديمقراطيا واقتصاديا وحضاريا.
ولقد جاءت مواقف الدول الافريقية والعربية بفتح تمثيليات دبلوماسية في الصحراء لتصب في اتجاه الدفع بالحل في المنطقة، وكلما تعززت هذه المواقف كان ذلك أدعى لدفع الجزائر نحو مراجعة موقفها المتصلب، والتفكير في مخارج لورطتها؛ ذلك أن تنامي الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وبأهمية الحل المغربي يحرج الجزائر، ويجعلها تظهر بمظهر المتحامل ضد المغرب، والمعرقل لمساعي التسوية، ولمسار بناء الاتحاد المغاربي .
لذا، حبذا لو تبادر بقية الدول لاسيما المغاربية، وتحديدا تونس وموريتانيا إلى مبارحة مربع التردد والحياد السلبي لوضع الجزائر أمام مسؤولياتها التاريخية، في استمرار الجمود المغاربي الذي يهدر فرصا اقتصادية وتنموية لا تقدر على شعوب المنطقة، إذ لا يعقل أن يرتهن تعطيل الفضاء المغاربي بموقف دولة واحدة مهما كان موقعها، خاصة وأن هذه الدولة المتشدقة بالوفاء للمبادئ في دعمها لأطروحة “تقرير المصير” لم تبرهن طيلة زهاء 60 سنة على استقلالها عن أي توجه ديمقراطي داخلي يسمح للشعب باختيار حكامه لكي تبرر انسجامها مع المبادئ إياها، ما يبين أن موقفها إزاء المغرب مؤسس على أحقاد ونوازع سيكولوجية ليس إلا، نشأت في وجدان أركان النظام القديم، لاعتبارات تاريخية ملتبسة، يفترض أن تؤول إلى التجاوز مع الزمن، لاسيما وأن “الاصطدام المشؤوم “الذي ولد الجفاء بين البلدين، والناجم عن السياسة الاستعمارية الفرنسية التي عملت بمكر على تغيير الطبيعة الجغرافية والبشرية للمناطق التي احتلتها، قد مضت عليه عقود من الزمن، وهي مسافة كافية لإجراء المراجعات الضرورية، وبناء القناعات اللازمة في إطار استحضار المشترك بين الشعبين والبلدين، والتوجه نحو المستقبل بدل البقاء أسرى لمخطط استعماري هادف لزرع البين والفرقة بين أبناء المنطقة الواحدة حتى يسهل التحكم فيها واستغلالها..
واذا كان ثمة من دولة في المنطقة تضررت من هذه السياسة الاستعمارية المشؤومة فهو المغرب الذي خسر أجزاء من ترابه، ومازال يناضل من أجل لملمة شعثه، وليس الجزائر التي نالت على طبق من ذهب جغرافيا أوسع مما كانت تحلم به، طبعا نقول هذا للتاربخ والذكرى، وإلا فإن وحدة المصير هي ما كان يحرك الآباء المحررين في المغرب كما في الجزائر، ولم يخطر ببال المخلصين منهم خاصة، أن شنئانا سيحصل بين الإخوة الأشقاء فيختلفوا ويرفعون السلاح على بعضهم البعض، لكنه مكر التاريخ وتدبير الأعداء ..
وبالمناسبة فإن المغاربة لاسيما الذين عايشوا مرحلة التحرير، لا يصدقون هذا الجفاء من الجزائر، لأنهم يعتقدون أن ما يجمعهم مع الجزائر ، هو أوسع من الصحراء، وأبعد من منفذ على الأطلسي الذي يمكن تدبيره في إطار مصالح عليا مشتركة :
فهل تعقل الجزائر هذه الروابط والمصالح، وتكف عن مناكفة المغرب؟!..