قراءة في قرار المحكمة الدستورية المبدئي رقم 106/20 م.د بقلم د محمد الهيني محام بهيئة تطوان
أقرت المحكمة الدستورية في قرارها المبدئي رقم 106/20 م.د الصادر بتاريخ 4 يونيو 2020 في الملف {عدد : 057/20 بدستورية مسطرة إقرار القانون رقم 26.20} القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 13 من شعبان 1441 (7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية.
ويضم القرار في ثناياه مجموعة من المبادئ الدستورية التي ستشكل مرجعا للدارسين، وللمؤسسات الدستورية، وللفقه الدستوري بشكل عام.وبالنظر لأهمية القرار وقيمته القانونية نقدم في هذه القراءة أهم المبادئ المستخلصة، سعيا لإشاعة ثقافة دستورية، ولتوضيح بعض المنطلقات التي حكمت القرار المرجعي المذكور بخصوص مسطرة العمل التشريعي.وتتمثل وقائع القرار في أن واحد وثمانون (81) عضوا بمجلس النواب “ينتمون لفريق الاصالة والمعاصرة “- {الدستور يشترط صفة العضوية وليس شرط الانتماء للحزب او فريق او مجموعة نيابية، لهذه العلة تجنبت المحكمة الإشارة الى الحزب أو الفريق} – تقدموا بطلب إحالة للمحكمة الدستورية بمقتضاه يهدفون إلى التصريح بمخالفة مسطرة التصويت على القانون رقم 26.20 القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 13 من شعبان 1441 (7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية لأحكام الدستور بمقتضى الإحالة المسجلة بالأمانة العامة للمحكمة في 14 مايو 2020.
وتروم رسالة الإحالة إلى تصريح المحكمة الدستورية بمخالفة المسطرة المتبعة لإقرار القانون المحال لأحكام الدستور، ولبعض مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب من خلال ثلاث مآخذ تتمثل في مخالفة أحكام الفصلين العاشر والستين من الدستور، ومقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، إذ لم يتم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين للجلسة العامة المخصصة للتصويت على القانون المذكور، ولا احتساب عدد المصوتين عليه، ولا بيان تصويتهم بالموافقة أو الرفض أو الامتناع، وأن محضر الجلسة العامة أتى خاليا من هذه البيانات، وأنه فضلا عن ذلك، تم احتساب أصوات أعضاء متغيبين، مما يشكل إخلالا بالحقوق التي ضمنها الدستور للمعارضة البرلمانية، وتفويضا محظورا بنص الدستور، للحق الشخصي لأعضاء مجلس النواب في التصويت؛ و عدم تطابق مضمون محضر الجلسة العامة وتسجيل وقائعها من خلال ما ضُمِّنَ من معطيات، في محضر الجلسة العامة، المنعقدة في 30 أبريل 2020، “المنشور على البوابة الإلكترونية لمجلس النواب”، أتى غير متطابق مع ما تم توثيقه في تسجيل لأشغال الجلسة العامة المذكورة، المدلى به.
إذ جاء في التسجيل المذكور، أن رئيس الجلسة صرح بأن المصادقة على القانون تمت “بناقص معارض واحد، يعني الإجماع، يعني 394 مصوتا”، رغم أن عدد الحاضرين لم يتجاوز 22 عضوا، في حين ضمن في محضر الجلسة أنه “صادق مجلس النواب بالأغلبية على مشروع قانون رقم 26.20 يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية”؛ وأخيرا عدم مشروعية “قرار” مكتب مجلس النواب أن مكتب مجلس النواب، اتخذ، في 30 مارس 2020، “قرارا”، يقصر بموجبه حضور جلسات المجلس التشريعية والرقابية على ثلاثة أعضاء عن كل فريق، مانعا تبعا لذلك، باقي أعضاء المجلس من الحضور والمشاركة في أشغاله، بما في ذلك المشاركة في مناقشة القانون المحال والتصويت عليه.
كل ذلك في مخالفة لأحكام الفصول 60 و70 و81 و84 من الدستور، علاوة على أن المكتب المذكور غير مؤهل لاتخاذ القرار السالف الذكر، لأن ذلك من صلاحية ندوة الرؤساء وفق ما نصت عليه المواد 116 إلى 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
ومادام أن الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، تنص على أنه :
{يمكن لخمس أعضاء مجلس النواب أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور}
ولما كانت رسالة الإحالة قدمت من قبل 81 عضوا من أعضاء مجلس النواب، أي أن : ( الخمس هو 79 باعتبار أن عدد أعضاء مجلس النواب هو 395 حسب المادة الأولى من القانون التنظيمي 27-11 المتعلق بمجلس النواب كما تم تعديله، بعد التصويت على القانون وقبل إصدار الأمر بتنفيذه).فان المحكمة الدستورية قررت قبول الإحالة باعتبارها مستوفية للشروط المقررة بموجب أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، وبعد الاطلاع على الملاحظات الكتابية للسادة رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وأعضاء بمجلس النواب، المسجلة بالأمانة العامة المذكورة بالتوالي في 26 و18 و19 و20 و22 مايو 2020 وفقا لما تنص عليه المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية أصدرت المحكمة قرارها في الموضوع. وهكذا يمكن تحديد القواعد التي يمكن الاهتداء إليها عبر تفحص مضمون القرار من خلال :
أولا : مراقبة دستورية القوانين تعني فقط مراقبة المحكمة الدستورية لخرق أحكام الدستور والقوانين التنظيمية طبقا للفصل 132 من الدستور، وتلك دائرة حدودها واختصاصها ، ومن ثم لا يجوز تجاوزها ،وبالتالي لا يجوز فحص دستورية قانون بالنظر لقواعد القانون الداخلي لمجلسي البرلمان ما عدا إذا جاءت هذه المقتضيات تطبيقا مباشرا لقاعدة دستورية يتوقف إعمالها، وجودا وعدما، على ضوابط أسند الدستور تحديدها إلى نظام داخلي، يؤدي الإخلال بها إلى مخالفة القاعدة الدستورية نفسها.
ثانيا: العبرة في مدى دستورية الاقتراع هي باحترام ما نص عليه الدستور في نسبة معينة من التصويت .
وهنا يتعين التمييز بين القوانين التي تشترط نسبة معينة كالأغلبية المطلقة التي يتكون منهم مجلس النواب والتي لا تشترط أي نسبة وبالتالي صحة التصويت بالأغلبية المطلقة للحاضرين ،ذات المبدأ اكد عليه قرار المجلس الدستوري رقم 966 بتاريخ 30 يونيو 2015 نفس المرجع السابق ص 126 والذي جاء فيه “
“..يستفاد من احكام الفصل 84 و 85 الفقرة الأولى منه أن تصويت مجلس النواب على مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية يجري دائما بالأغلبية النسبية في القراءة الأولى، في حين يتعين فيما يخص التصويت النهائي على النص الذي تم البث فيه التمييز بين القوانين التنظيمية عموما التي يجب أن يتم التصويت النهائي عليها بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب الحاضرين.
وبين القوانين التنظيمية التي تخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية التي يجب أن يتم التصويت النهائي عليها بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب ..
وحيث أنه يبين من الاطلاع على محضر الجلسة العامة 251 بتاريخ 9 يونيو 2015 أن مجلس النواب صادق على مشروع القانون التنظيمي في قراءة ثانية باجماع 320 عضوا من أعضائه ..وبناء على ذلك، فان مجلس النواب بتصويته النهائي على مشروع القانون التنظيمي في قراءة ثانية ب 320 صوتا من أصل 395 من أعضائه، يكون قد تقيد بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور التي تنص على أن التصويت النهائي لمجلس النواب على القوانين التنظيمية التي تخص الجماعات الترابية يجب أن يتم بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم هذا المجلس، مما يجعل هذا التصويت مطابقا للدستور.
في نفس الاتجاه قراري المجلس الدستوري رقم 967 و 968 الصادرين بتاريخ 30 ينوينو 2015 نفس المرجع هامش رقم 2 ص 125.
ثالثا: طالما أن الدستور لم يشترط، فيما يخص القانون المحال، أغلبية معينة ولا نصاب حضور محدد يتعذر دونهما إقراره بكيفية صحيحة فيعتبر الاقتراع صحيحا أيا كان عدد الحاضرين، إلا في الحالات التي يوجب فيها الدستور أغلبية معينة، وأن نتيجة التصويت، سواء تم الإعلان عنها إجمالا أو تفصيلا، هي مجموع اختيارات تصويت كل نائبة أو نائب على النص التشريعي، بالموافقة أو المعارضة أو الامتناع طالما أن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة، وأن ما كفلته أحكام الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور من حق أعضاء البرلمان الشخصي في التصويت، يترتب عنه تساويهم، أغلبية ومعارضة، في حرية التصويت حسب قناعاتهم.
رابعا : لا يعيب مسطرة الاقتراع عدم الإشارة لعدد المصوتين أي مشروعية الإشارة للمصادقة بكيفية اجمالية مادام أن المحضر خلا مما يفيد طلبا بالإعلان عن نتائج الاقتراع بالتفصيل وفقا للإمكانية المتاحة بمقتضى المادة 164 من النظام الداخلي، وليس في المحضر المشار إليه، من جهة أخرى ما يفيد أن الطالبين أثاروا، أثناء الجلسة العامة، ما نعوه من عدم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين.
خامسا : عدم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين للجلسة العامة المخصصة للتصويت على القانون المحال، على فرض حدوثه، لا ينهض وحده سببا للتصريح بعدم مطابقة إجراءات إقرار القانون المحال للدستور، طالما أن صحة الاقتراع لا تتوقف على عدد الحاضرين إلا في الحالات التي يوجب فيها الدستور أغلبية معينة، وهو ما لا ينطبق على القانون المعروض.
سادسا : العبرة في دستورية مسطرة التصويت هي لمحضر الجلسة وحده-وهو ما أكدته عليه المحكمة الدستورية في قرار سابق رقم 966 بتاريخ 30 ينونيو 2015، مرجع سابق ص 126- وذلك للحكم على نسبة التصويت أو خرق حق التصويت الشخصي وعدم جواز التفويض فيه، ومن تم اعتبرت المحكمة في حيثيات قرارها موضوع الدراسة “لا يبين من الاطلاع على محضر الجلسة العامة المشار إليها، ولا من باقي الوثائق المرفقة بالملف، ما يثبت منع عضو أو أعضاء من مجلس النواب، من أداء واجب المشاركة الفعلية في أعمال الجلسات العامة (البند الثاني من الفقرة الأخيرة من الفصل 69 من الدستور)، أو من إبداء رأيهم أثناءها (الفصل 64 من الدستور)، أو من التصويت (الفصل 84 من الدستور).
كما أن مجموع الوثائق المذكورة لا يتضمن ما يثبت المس بالحقوق المكفولة للمعارضة البرلمانية بموجب أحكام الدستور، وقيام أعضاء المجلس الحاضرين، بمخالفة أحكام الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور، بتجاوز حقهم الشخصي في التصويت إلى التصويت بالتفويض نيابة عن أعضاء المجلس غير الحاضرين
سابعا : لا يعتد في إطار مراقبة دستورية الإجراءات المتبعة لإقرار قانون، إلا بالمحاضر المعدة من قبل من خولت لهم هذه الصلاحية، أي أمناء المجلس، والمتضمنة للمناقشات برمتها ولمجموع العناصر الوقائعية والقانونية التي تمكن المحكمة الدستورية من البت في صحة الإجراءات المتبعة لإقرار القوانين المعروضة عليها، ولا عبرة بالوسائل التكنولوجية والسمعية البصرية المستعان بها لإعداد المحاضر، باعتبارها مجرد وسائل تقنية وتوثيقية مساعدة، لا تعادل، من حيث حجيتها وقيمتها الإثباتية، محاضر الجلسات العامة المعدة بكيفية صحيحة
ثامنا : وجود اختلاف بين ما ضمن بمحضر الجلسة العامة، من أنه “صادق مجلس النواب بالأغلبية على مشروع قانون رقم 26.20 يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية”، وبين ما ورد في تسجيل الجلسة العامة، المدلى به، من تصريح رئيس الجلسة بأن المصادقة على القانون “تمت بناقص معارض، يعني الإجماع، يعني 394 مصوتا”، لا يعدو أن يكون مجرد خطإ في الوقائع، لا يترتب عنه أي أثر قانوني، طالما أن التصريح المسجل وما جاء في المحضر، لا يختلفان في نتيجتهما، أي الإقرار بالمصادقة على القانون المحال بالأغلبية، بدليل إعلان رئيس الجلسة، في التسجيل المدلى به، عن معارضة صوت واحد؛
تاسعا : التفاوت المعلن بين ما ضمن بمحضر الجلسة العامة وبين ما ورد في تسجيلها على فرض حدوثه، بين عدد الأعضاء المصوتين بالموافقة على نص تشريعي، وبين عدد الأعضاء الحاضرين بصفة فعلية أثناء عملية الاقتراع، لا يقوم وحده، سببا للتصريح بعدم دستورية مسطرة المصادقة على النص المذكور، ما عدا في حال منازعة نائب أو أكثر من النواب الحاضرين، عند إعلان نتيجة الاقتراع، في صحة تسجيل تصويتهم بالموافقة أو الرفض أو الامتناع،
عاشرا : العبرة بمجموع المنازعات الرامية الى حدوث تغيير في نتيجة التصويت وهو ما لا يبين، فيما يخص القانون المحال، من الوثائق المدرجة بالملف، ولم يثبته الطالبون بأي وسيلة.
أحد عشر : لا يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية صلاحية البت في النزاعات المترتبة عن تطبيق النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، ولا صلاحية بسط رقابتها على القرارات المتعلقة بالسير الداخلي لمجلس النواب، ومنها القرارات المتخذة من قبل مكتب المجلس لتدبير وتسيير شؤونه، وللإشراف على مناقشات المجلس خلال الجلسات العامة، تطبيقا للمادتين 36 و53 من النظام الداخلي وإعمالا لمبدإ استقلالية المجلس في تسيير شؤونه الداخلية لان اختصاص المحكمة محددا في احكام الدستور و القوانين التنظيمية.
وقد سبق للمحكمة الدستورية في العديد من قراراتها ان قررت انه لا يدخل في اختصاصها البت في النزاعات المترتبة عن تطبيق احكام النظام الداخلي “قرار المجلس الدستوري رقم 938 بتاريخ 14 يونيو 2014 منشور بمؤلف الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي منشورات المجلس الدستوري 2015 ص 23.
وحينما نقول بعدم اختصاص المحكمة الدستورية للنظر في أي منازعة معينة فالاختصاص يدخل في اختصاص القضاء الإداري مادام ان الامر يتعلق بمرفق عام وامكن تكييف القرارات او الاعمال بانها قرارات إدارية ،لكن يلاحظ للأسف انه لا يتم طرق باب القضاء الإداري في هذا المجال رغم ان المحكمة الدستورية ما فتئت تصرح بعدم اختصاصها للنظر في مجموعة من القضايا ،مما يجعلها واقعيا تنفلت من رقابة القضاء الإداري مما يحرم هذا القضاء من مراقبة مشروعية الاعمال والمنازعات المتصلة بالعمل البرلماني او التنفيذي المتصل في العلاقة بين الحكومة والبرلمان.
ومن الجدير بالإشارة أن تعليل المحكمة الدستورية بمبدأ استقلالية المجلس في تدبير شؤونه الداخلية كمرتكز دستوري للتصريح بعدم الاختصاص في الرقابة الدستورية على المنازعات المتصلة بتطبيق النظام الداخلي للمجلس كثيرا ما اعتمدته المحكمة في هذا المجال، وأخص بالذكر هنا قرار المجلس الدستوري رقم 456 بتاريخ 7 غشت 2001 نفس المرجع السابق ص 114. ص 87 وأيضا حينما قرر في قراره رقم 480 بتاريخ 15 غشت 2002 أنه بناء على استقلالية مجلس النواب في تدبير شؤونه الداخلية ..فان مكتب هذا المجلس يمكنه ..اتخاذ عدد من التدابير الهدف منها ضبط التسيير الإداري لمصالحه “نفس المرجع السابق ص 114.
إثنا عشر : رقابة المحكمة الدستورية لا تنصرف إلى القررات المتعلقة بتسيير شؤون مجلس النواب، وإنما إلى الآثار التي تترتب عن تطبيقها، علاقة بدستورية الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال أو بجوهره
وتتم هذه الرقابة شكلا وجوهرا من خلال استحضار المقاصد التي ابتغاها الدستور، قرار المجلس الدستوري رقم 937 بتاريخ 29 مايو 2004 مرجع سابق ص 15، وأيضا في اطار يضمن تكامل الدستور في أهدافه وشروطه، قرار المجلس الدستوري رقم 817 بتاريخ 13 أكتوبر 2011، وفي سمو الدستور على ما عداه من القوانين، قرار المجلس الدستوري رقم 819 بتاريخ 16 نونبر 2011، وقرار المجلس الدستوري رقم 937 بتاريخ 29 مايو 2014 مرجع سابق ص 11، بحمايته للمبادئ الأساسية للحقوق والحريات، قرار المجلس الدستوري رقم 817 بتاريخ 13 أكتوبر 2011، مرجع سابق ص 12.
ثلاثة عشر : صحة الإجراءات التشريعية وفقا للدستور ترتبط بعدم المساس بحق أعضاء المجلس من الحضور للجلسة العامة المذكورة والمشاركة في مختلف أشغالها، وعدم تفويض للحق الشخصي للأعضاء في التصويت انطلاقا مما هو مسجل وثابت في محضر الجلسة العامة المخصصة للتصويت وباقي الوثائق.
أربعة عشر : حالة الطوارئ الصحية كظرف طارئ وما تقتضيه ضرورات الاحتراز والوقاية من تفشي فيروس كورونا {كوفيد – 19}، لا تمنع من اتخاذ إجراءات مرنة لمسطرة العمل التشريعي تستجيب وهذه الظروف الاستثنائية من طرف مكتب المجلس بالاتفاق مع ممثلي جميع الفرق والمجموعة النيابية، من قبيل تنظيم حضور الأعضاء في الجلسة العامة واللجان من خلال قرار مكتب مجلس النواب المؤرخ بتاريخ 30 مارس 2020 الذي قرر حضور ثلاثة نواب فقط عن كل فريق لأشغال الجلسات العامة لمجلس النواب سواء الرقابية أو التشريعية، والذي لم يخل بحق أعضاء المجلس من الحضور للجلسة العامة المذكورة والمشاركة في مختلف أشغالها، وعدم تفويض للحق الشخصي للأعضاء في التصويت.
خمسة عشر : صلاحية المحكمة الدستورية في الاثارة التلقائية لخرق مسطرة إصدار القانون أو موضوعه لاحكام الدستور بما يتضمنه ذلك من تعلقه بأحكام النظام العام، لكون المحكمة غير مقيدة بأسباب الإحالة التي يمكن أن تتعداها لبحث أي سبب آخر غير مذكور، وترتيب جزاء عدم الدستورية فيها ليخلص أن المآخذ المستدل بها للطعن في دستورية مسطرة التصويت على القانون المحال لا تنبني على أساس دستوري صحيح، ويقرر أن مسطرة إقرار القانون رقم 26.20 القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 13 من شعبان 1441 (7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ليس فيها ما يخالف الدستور.
وقد سبق للمحكمة الدستورية أن اعتبرت أن {الطعن الدستوري لا يرمي الى تحقيق مصلحة خاصة بالجهة المحيلة للقانون، بل يروم ضمان احترام مبدأ سمو القانون الذي يعد بموجب فصله السادس من المبادئ الملزمة ” قرار المجلس الدستوري رقم 937 صادر بتاريخ 29 مايو 2014 مرجع سابق ص 26}.ومن خلال قراءة متأنية للقرار المذكور ولقيمته العلمية الرفيعة، نستخلص من مضمنه مجموعة من الرسائل التوجيهية القانونية لعمل مجلس النواب، أو مجلس المستشارين، وللسادة النواب والمستشارين، تتثمل في احترام حدود اختصاص المحكمة الدستورية والدفاع عن سيادة الدستور والقوانين التنظيمية بمناسبة العمل التشريعي من خلال حصر الطعون الدستورية بخصوصهما فقط، وليس في القوانين الداخلية للمجلسين ما لم يكن لها ارتباطا مباشرا بهما، سواء تعلق الأمر بإجراء المسطرة التشريعية، أو بمضمون النص القانوني نفسه، وتسجيل كل خرق في محضر الجلسات حتى تصح إثارته، وبالتركيز على الوسائل الجدية لمقبولية وموضوعية الطعون.
كما أن التصريح بعدم الاختصاص هو إشارة غير مباشرة لمباشرة الطعن لدى الجهة المختصة وهي القضاء الإداري كما أسلفنا الإشارة، لحسم دابر المنازعة والاحتكام للقضاء بشأنها لخلق اجتهاد بخصوصها ينافس القضاء الإداري ويتعاون معه في حسن مراقبة سير المؤسسات الدستورية في تكامل يحترم قواعد الاختصاص وسيادة القانون.ومن المهم الإشارة في الأخير، أن صدور القرار المبدئي رقم 3 زمن كورونا، يثبت حرص المحكمة الدستورية على سمو الدستور، وإن بشكل ظاهري، واستمرارية المرفق القضائي الدستوري خلال هذه الجائحة، والبت في الإحالة داخل أجل يقل عن شهر وفق الفصل 132 من الدستور، فكما أن الدولة لا يتوقف عملها تحت أي ظرف، فإن الدستور لا يمكن أن يتوقف مفعوله، والمحكمة الدستورية هي الحامية له، وطبيعي جدا استمرارها في توفير الحماية للدستور، ولدولة الحق والقانون والمؤسسات .
ولا يفوتني هنا الإشارة الى انتصار المحكمة لاعتبار حالة الطوارئ الصحية ظرفا طارئا لا يمنع من اتخاد إجراءات مرنة لمسطرة العمل التشريعي لتنظيم حضور النواب بتحديد عدد معين للحضور بما لا يمنع من يرغب في الحضور، أو يمس بحق التصويت، أو يقرر تفويض التصويت استجابة لضرورة الاحتراز والوقاية من مرض كوفيد 19.
لكن لا يجب أن نغفل أن الهواجس التي تحكمت في قرار المحكمة الدستورية والتي تم التقعيد لها من منطلقات دستورية صلبة ومتينة شكلا أكثر منها موضوعا، لا تمنع من القول أن المبررات العملية وحالة الضرورة الناجمة عن حالة الطوارئ فرضت هذا الاتجاه الدستوري لقبول مبرر تقليص عدد حضور النواب في العمل التشريعي بمبرر حماية الأرواح والصحة العامة، لأنه سيكون من المستحيل جدا قبول حضور 395 نائبا والمخاطرة بحياة أعضاء سلطة دستورية، لأن حق الحياة أحق بالحماية وأولى من أي تشريع، ومن تم فلو كان هذا القانون معروضا على المحكمة في توقيت غير هذا لتغير مضمون القرار، فالضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها.
والقرار كان حرفيا ومهنيا بخصوص البحث عن الصيغ الدستورية المناسبة بدون خرق الدستور في شكله مادام أن النص في جوهره لا تشوبه شائبة، وكأني بالمحكمة تتبنى منهج حماية عدم الخرق الشكلي للدستور بعيدا عن المقاصد الحقيقية للمسطرة التي عصفت حقا بجوهر إرادة نواب الأمة، وبمبدأ عدم تفويض التصويت، وبحصر عدد الحضور، ومن ثم كانت الموازنة، وتبعا لذلك الغلبة لحماية الصحة العامة وصيانة المظهر الشكلي للقواعد المراد الرقابة عليها بعيدا عن الجوهر، طالما أنه لم تكن هناك قواعد بديلة تشريعية تغني عن تقييد حضور النواب، وتتبنى الحضور الالكتروني قياسا على الحضور المادي.والحقيقة {والمناسبة شرط} أنه آلمني كرجل قانون أن يحرر في حق المحكمة الدستورية من طرف مقدمي طلب الإحالة محضرا بالامتناع عن تسليم ردود الحكومة ومجلسي البرلمان، لأن المحكمة هي من تقرر التبليغ للطالب من عدمه وليس أمين عام المحكمة أو رئيسها، ناهيكم أن المحكمة مقيدة بأجل الشهر للبت في الإحالة، وهذا سبب كاف لرفض منح أي أجل للتعقيب نظريا وعمليا، لأن التعقيب يفتح أجلا آخر للتعقيب وهكذا دواليك، وهو ما لا تسعفه المسطرة، ولا حقوق الدفاع، طالما أن الفصل 25 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية لا ينص على حق التعقيب وإنما الجواب فقط، بمعنى إدلاء ملاحظات على الإحالة بعد الإبلاغ.
ومن نافلة القول، المناسبة سانحة اليوم لتدارك مجلسي البرلمان مستقبلا بمناسبة تعديل النظام الداخلي بالنص على مسطرة التصويت الالكتروني، والمناقشة الالكترونية، بما يتيح عمل تشريعي رقمي يجيب على الانتظارات والحاجات، لمغرب رقمي يتجاوز النظام التقليدي المادي وسلبياته المعيقة للتقدم والشفافية والسرعة.
ومما لاشك فيه فان اعتبار المحكمة الدستورية حالة الطوارئ الصحية كظرف ظارئ ضمن عناصر التكييف القانوني والقضائي للواقعة، هو توجه محمود يمكن أن يؤثر إيجابا على توجه محاكم التنظيم القضائي في ترتيب الآثار القانونية على هذا الوصف القانوني بخصوص الالتزامات التعاقدية والمسؤوليات الناتجة عن ذلك، لأن أحكام المحكمة الدستورية وفق الفقرة الثانية من المادة 134 من الدستور لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.ونشير في الأخير أن الملك قدم في هذه القضية درسا كبيرا لكل المؤسسات الدستورية بعدم اصدار أمره بتنفيذ القانون لتمكين النواب من ممارسة حقهم المشروع في اللجوء للمحكمة الدستورية كقضاء طبيعي لمراقبة دستورية القوانين، وللمحكمة الدستورية في ممارسة اختصاصها الأصيل في هذا المجال وضبط السير العادي للمؤسسات الدستورية.
وهي ممارسة تبين بحق منهج دولة الحق والقانون التي أساسها احترام الدستور وسيادة أحكامه على الحاكمين والمحكومين وعلى كل السلط والمؤسسات بالدولة، وهو سلوك يعزز ربط المسؤولية بالمحاسبة والمساواة أمام القانون، ويكرس الأمن القانوني الذي هو أساس ثقة المواطنين في بنيان الدولة.
ومن المحبد في الختام القول أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على البنيان القانوني والأداء المؤسساتي للدولة ومؤسساتها، ولم تشذ المحكمة الدستورية كسائر محاكم التنظيم القضائي عن هذا التاثير والتأثر.
والأكيد أن زمن كورونا مختلف عما سبقه وعما سيكون بعده، فمستقبل القانون والعدالة والإدارة سيكون بلمسة كورونا، إنها اللمسة الرقمية، ونشدان العدالة والقرب والانصات، والشفافية والسرعة وهذه حسناتها الوحيدة.