معايير ضبط جودة المياه لتصبح صالحة للشرببقلم المهندس محمد الزعيم
وتعتبر المياه الجوفية وخاصة منها الباطنية ثروة وطنية تخضع لتدابير صارمة لاستغلالها من أجل تطهيرها ومعالجتها لتصبح خالية تمامًا من الشوائب، ثم تصل بعد ذلك إلى صهاريج التخزين، أو أبراج المياه التي تستخدم المضخات لتخزين المياه في أماكن مرتفعة من أجل توزيعها في المنازل.جدير بالذكر أن مدينة فاس تتوفر على محطة لمعالجة المياه العادمة، تتم إعادتها نقية الى واد سبو وفقا للمعايير الصحية المعمول بها.
ما هو تركيب المياه الصالحة للشرب
على عكس مياه الينابيع الصالحة للشرب بشكل عام عند سحبها، فإن معظم المياه التي نستهلكها تحتوي في حالتها الخام على مواد معدنية وعضوية، قد تكون في بعض الحالات ضارة بالصحة، حيث تأتي هذه المواد من جهة من الصخور والطبقات الرسوبية، ومن جهة أخرى من التصريفات الناتجة عن الأنشطة البشرية أو تحلل الكتلة الحيوية.ولكي تعتبر صالحة للشرب، يجب أن تكون هذه المياه خالية من أي مادة تعتبر ضارة بالصحة، متسببة للأمراض، مثل البكتيريا والفيروسات والكائنات الطفيلية الدقيقة، إلى جانب المواد الكيميائية غير المرغوب فيها، مثل النترات والفوسفاط، والمعادن الثقيلة، والهيدروكربونات، ومبيدات الآفات.
على العكس من ذلك، يجب حفظ بعض المواد التي تعتبر ضرورية للجسم والموجودة بشكل طبيعي في المياه التي نستهلكها للشرب، ونخص بالذكر منها :
الأملاح المعدنية : مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم والكلور …
العناصر النزرة : مثل الفلور والنحاس والحديد والسيليكون والمنغنيز والزنك …
ما هي معايير الماء الصالح للشرب ؟
لكي يتم استهلاك المياه بأمان تام، يجب أن تلتزم المصالح والإدارات المعنية بالمعايير الصارمة للغاية، التي تقرها وزارة الصحة، وتختلف هذه المعايير اعتمادًا على التشريعات المعمول بها، سواء أكانت هاته المياه مخصصة للاستهلاك البشري أو للإستعمال الصناعي.
حتى الآن، هناك 63 معيارًا لمياه الشرب، والتي يمكن تصنيفها في 5 معايير رئيسية :
أولا – المعلمات الفيزيائية والكيميائية:
تتوافق مع خصائص الماء مثل الأس الهيدروجيني، ودرجة الحرارة، والموصلية، أو عسر الماء، وتحدد الكميات القصوى التي لا يجب تجاوزها لمكونات معينة، مثل الأيونات، والكلوريدات، والبوتاسيوم، والكبريتات.
أمثلة:
يجب أن يكون محتوى الكبريتات أقل من 250 مجم / لتر
يجب أن يكون محتوى الكلوريد أقل من 200 مجم / لتر
يجب أن يكون محتوى البوتاسيوم أقل من 12 مجم / لتر
يجب أن يكون الرقم الهيدروجيني للماء بين 6.5 و 9
يجب أن يكون TH، أو عسر الماء الذي يتوافق مع قياس محتوى أيونات الكالسيوم والمغنيسيوم في الماء، أكبر من 15 درجة فرنسية، بمعنى آخر، يجب ألا يحتوي الماء على أقل من 60 مجم / لتر من الكالسيوم أو 36 مجم / لتر من المغنيسيوم، وإلا فسيتم اعتباره لينًا جدًا : وحتى لا تتآكل الأنابيب، يجب أن يخضع الماء للتمعدن و / أو التحييد لإيجاد توازن كالكو كربوني.
ثانيا – المعلمات الحسية:
تتعلق المعلمات الحسية بلون وطعم ورائحة الماء، حيث يجب أن يكون الماء ممتعًا للشرب، ونقيًا وعديم الرائحة، نظرًا لأن هذه المعلمات مرتبطة براحة الاستهلاك، وليس لها قيمة صحية مباشرة.
التحاليل الميكروبيولوجية تتيح التحقق من أن الماء لا يحتوي على أي جراثيم ممرضة، مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الطفيليات، والتي يمكن أن تسبب المرض أو حتى الأوبئة.
ثالثا – المعلمات المتعلقة بالمواد غير المرغوب فيها
تتعلق هذه المعلمات بمواد مثل النترات والنتريت ومبيدات الآفات، بحيث يجب ألا يتجاوز محتوى النترات 50 مجم / لتر، كما يجب أيضا أن يكون محتوى الفلور أقل من 1.5 مجم / لتر
رابعا – المعلمات المتعلقة بالمواد السامة:
الملوثات الدقيقة مثل الزرنيخ والسيانيد والكروم والنيكل والسيلينيوم، وبعض الهيدروكربونات تخضع لمعايير صارمة للغاية بسبب سمومها، حيث أن محتواها المسموح به هو جزء من مليون جرام. كيف يتم معالجة المياه قبل وصولها إلى حنفياتنا؟
كما رأينا، يجب أن تخضع المياه المسحوبة في حالتها الطبيعية لعدة معالجات قبل إرسالها عبر دوائر التوزيع، لتصل أخيرًا إلى صنابيرنا.
تعتمد المعالجات على جودة المياه المسحوبة، ليتم بعد ذلك فحصها بشكل منهجي في وقت اِلتقاطها وذلك لتطبيق معالجة مياه الشرب، وفي ما يلي المراحل المختلفة لشرب الماء:
خامسا – المعلمات المتعلقة باِستجماع المياه ومعالجتها:
تجمع المياه من بئر إلى بئر، وتضمن التربة التي تعمل كمرشح طبيعي يضمن مياه جيدة، لكن المعالجة تبقى ضرورية لتوفير مياه الشرب الخالية تمامًا من شوائبها، وللقيام بذلك، يتم نقل المياه إلى مصنع الإنتاج، حيث تتم هذه العملية عبر مراحل نخص بالذكر منها :أ – الغربلة: عند دخول المياه إلى المصنع، تمر المياه من خلال مصافي (يبلغ حجم فجواتها حوالي 5 سم) التي تزيل أكبر النفايات (الأحجار، البلاستيك، الأغصان، الأوراق، إلخ)، حيث يمر الماء بعد ذلك عبر غربال مزود بشاشات محكمة، مما يسمح بالاحتفاظ بالنفايات الصغيرة (الأحجار الصغيرة، وأعقاب السجائر، والأغصان، وما إلى ذلك).
ب – التلبد – التخثر (أو الترسيب) : تتكون هذه الخطوة من صب منتج التخثر في الماء، بحيث تتجمع الشوائب في مجموعات، ثم تغرق في قاع خزان الترسيب، لتصبح المياه بعد هذه العملية أكثر نقاءً.
ت – الترشيح الرملي: تمر المياه عبر طبقة سميكة من الرمل تعترض آخر الجسيمات الصغيرة المرئية.
ث – المعالجة بالأوزون : تتم عملية إزالة الشوائب غير المرئية بواسطة غاز يسمى الأوزون، عن طريق أكسدة جميع المواد العضوية، حيث يعمل الأوزون على التخلص من الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض.
ج – الترشيح: تمر المياه المصفاة من خلال مرشح مكون من حبيبات الكربون المنشط، حيث تحتوي هذه الحبوب على بكتيريا تقضي على المكونات السامة عن طريق الامتصاص.جدير بالذكر أن هاته المراحل الخمسة تتم كلها بمحطة التصفية عين النقبي التابعة للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب. بالنسبة لمدينة فاس، بعد هذه المراحل، تتم عملية تحويل هاته المياه مباشرة إلى خزانات الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، حيث تتم عملية : المعالجة بالكلور.وهي عملية يتم خلالها تطهير هذه المياه بالكلور لضمان جودتها أثناء إرسالها عبر الأنابيب من المصنع إلى المستهلكين.كما أن تحديد كمية الكلور المستخدمة في التطهير تتم وفقًا للمعايير الأوروبية المعتمدة، حيث يتم تحديد المعيار الواجب استيفاؤه من خلال “عدم وجود رائحة، أو نكهة غير طبيعية وعدم وجود تغيير غير طبيعي”.ضبط الجودة والرقابة الصحية : في نهاية كل هذه المراحل، يتم التحكم في المياه المعالجة من قبل مصالح RADEEF وفقًا لمعايير الجودة والسلامة الصحية للاستهلاك البشري.بعد كل ما سبق ذكره وإثارته في هذه الدراسة العلمية، أخاطب الضمائر الحية لتفادي استنزاف الثروة المائية، وخاصة الفرشة المائية العميقة التي تعتبر ثروة للأجيال القادمة، التي يتم استغلالها بشكل مفرط في سقي آلاف الهكتارات في القطاع الفلاحي.هذه معطيات يجب أن يعرفها المواطن عموما، والساهرين على تدبير الشأن المحلي على وجه الخصوص، حتى يتسنى للجميع الإنخراط الجاد والمساهمة الفعالة في الحفاظ على الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، حتى لا تحاسبنا الأجيال القادمة على سوء استغلالنا لهذه الثروة المفيدة. وهي رسالة واضحة كذلك، موجه لكل الضمائر الحية المستثمرة في القطاع الفلاحي تحثهم على عدم تبدير المياه باستعمالها بشكل مفرط في سقي ضيعاتهم الفلاحية الشاسعة المتواجدة ببعض الأقاليم المعنية بجهة فاس مكناس : صفرو + إيموزار، وإفران، وأزرو، والحاجب. فهذه المناطق السالفة الذكر، تعتبر خزانا هائلا للفرشة المائية العميقة التي لا يسمح القانون بإستنزافها في القطاع الفلاحي، بل ينص القانون أنها خاصة بالماء الصالح للشرب الذي يتعين على الجهات المسؤولة تثمينه وتجويده والحفاظ عليه، من ترشيد وعقلنة عملية استغلاله. خصوصا بعدما أصبحت مدينة إفران التي كانت إلى زمن قريب، معروفة بشلالاتها الساحرة، وينابيعها المبهرة الجذابة، تشهد في السنوات الأخيرة استهدافا ملحوظا وعشوائيا لثروتها المائية.