عبد الحي الغربة باحث في القانون العام
عضو المركز الدولي للدراسات والبحث العلمي المتعدد التخصصات المغرب.
أكد الباحث في القانون العام “عبد الحي الغربة” أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، جاء في سياق التأكيد المتجدد للطابع التشخيصي للاختلالات التي طبعت الواقع السياسي والاجتماعي المغربي، عوض الإقتصار على ابراز المنجزات والأوراش الكبرى التي انخرط فيها المغرب منذ اعتلاء الملك سدة العرش.
وفي هذا السياق، أبرز عضو المركز الدولي للدراسات والبحث العلمي المتعدد التخصصات الباحث عبد الحي الغربة أن الخطاب الملكي تضمن عدة محاور جريئة مفعمة برسائل مفتوحة قوية، حملت في ثناياها إقرارا واضحا وموضوعيا لحجم الفوارق الاجتماعية، والاختلالات المجالية التي يعرفها المغرب بشكل صارخ، وهو ما انعكس سلبا على الطبقة الوسطى التي تعيش معاناة حقيقية، حيث قال العاهل المغربي في بعض مضامين هذا الخطاب :
ومن منطلق الوضوح والموضوعية، فإن ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي، ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى.
ويعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة، لذلك أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة.
وكما قلت في خطاب السنة الماضية، فإنه لن يهدأ لي بال، حتى نعالج المعيقات، ونجد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية والاجتماعية .
ولم يخف الباحث عبد الحي الغربة أن خطاب العرش ألح رغم مرور سنتين على خطاب 12 اكتوبر 2018، أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، على ضرورة تجديد النموذج التنموي االوطني، حتى يتساوق مع الحاجيات والمطالب الملحة للمواطنين والمواطنات المغاربة، ويحقق العدالة المجالية.كما أبرز الباحث عبد الحي الغربة ملاحظة مهمة في نظره أن هذا الخطاب أكد وجدد التأكيد لما قاله الجالس على العرش في خطابه أمام نواب الأمة [خطاب 12 اكتوبر 2018]، حينما وصف نموذجنا التنموي كونه :
غير قادر على تلبية الاحتياجات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية”.
كما أكد الباحث عبد الحي الغربة أن خطاب العرش حمَّل المسؤولية للفاعل الحكومي، حينما دق ناقوس الخطر بضرورة البحث عن سبل مستعجلة لتغيير الأطر الإدارية العليا، [كما وصفها خطاب العرش]، وفي ذلك إشارة منه الى امكانية اجراء تعديل حكومي مرتقب ، مما يحيل الى أن حكومة الدكتور سعد الدين العثماني لم تلتقط بعد إشارات الخطاب السامي الذي وجهه الملك محمد الساس من العاصمة السنغالية دكار بمناسبة الذكرى الحادية والأربعين للمسيرة الخضراء [الأحد 06 نونبر 2016]، حيث قال جلالته :” لاينبغي للحكومة المقبلة أن تكون مسالة حسابية، تتعلق بارضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية…”
وأردف نفس الخطاب بيانا لملامح الحكومة المقبلة كونها :” هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرامج والأسبقيات، وهي كفاءات مؤهلة باختصاصات قطاعية مضبوطة”.
هذا وقد أشار الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، إلى بعض ملامح المرحلة المقبلة سمتها الإلتزام والمسؤولية، والإنخراط الإيجابي لما سيعرفه المغرب من جيل جديد من المشاريع، والذي لا يمكن أن يقوم ويفعل على أرض الواقع إلا بسواعد وكفاءات إدارية جديدة ومواطنة، كما أكد ذلك العاهل المغربي بقوله :وفي انتظار ذلك، فإن العمل يجب أن يتواصل بمزيد من الالتزام والمسؤولية، في تدبير الشأن العام، والتجاوب مع انشغالات المواطنين، وينبغي التركيز على الخصوص، على الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومن أداء المرافق العمومية.
وبموازاة ذلك، ندعو الحكومة للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة.فالمرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة.
وفي هذا الإطار، نكلف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق.