كلفة اللامغرب ..بقلم المحلل السياسي ذ جواد شفيق
لم يختر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في العرس الاتحادي الكبير الذي احتضنه مسرح محمد السادس بوجدة زوال 07 دجنبر 2018، تحت شعار :
المغرب والجزائر قاطرة مستقبل البناء المغاربي
والذي ترأسه الكاتب الأول ذ ادريس لشكر، وكان عريسه الوطني الكيير والقائد الاتحادي ذ عبد الرحمان اليوسفي، وشهد حضور حجيج من كل البقاع والأجيال … لم يختر الإتحاد الإشتراكي أن يكون العرس هذا عاديا، عابرا، افتراضيا، عاطفيا، روتينيا، بقدر ما اختاره واعيا،تاريخيا ومستقبليا، سياسيا وتنمويا.
لا شك أن حماسة وصخب ومشاعر ودهشة ونشوة وفرحة ولذة اللحظة الفخمة إياها، قد تكون عطلت ملكة الانتباه العميق في حينه لقوة الكلمات ودقائق المعطيات وجودة المقترحات،وجدلية الربط بين السياسة والتنمية، وبين الديمقراطية والحرية، وبين الوحدة والاستقلالية، وبين المعطيات التاريخية والمتطلبات الحالية والمستقبلية..لقد كان السي عبد الرحمان بليغا، عميقا، وسهلا ممتنعا وهو يخطب في الإخوة الجزائريين :
“لنجعل من نداء الملك لحظة صدق لنذهب نحو نصرنا الجماعي “.وبقدر ما كان الأستاذ ادريس لشكر الكاتب الأول حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية مسهبا، مفحما ومقنعا وهو يذكر بالتاريخ ، من : معركة إسلي 1844، إلى مؤتمر أحزاب [جبهة التحرير الوطني الجزائرية، والدستور التونسي، والاستقلال المغربي] الذي انعقد بطنجة 1958، إلى خطاب الملك محمد الخامس رحمه الله بوجدة 1956، ثم إلى مختلف محطات التضامن المغربي الجزائري، ….وصولا إلى إلى خطاب الملك محمد السادس نصره الله في الذكرى 43 للمسيرة الخضراء.فقد كان دقيقا، علميا و واقعيا وهو يبسط المعطيات والمؤهلات والممكنات التي تزخر بها كل من الجمهورية الجزائرية والمملكة المغربية، والتي لا شك أن الاستغلال المشترك والأمثل لها سينعكس إيجابا على كل مكونات الشمال الإفريقي، وعلى القارة السمراء عموما، وعلى العلاقة مع الشركاء الإستراتيجيين لنا أجمعين في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، وفي المحافل الدولية الاقتصادية والسياسية :
- 80% من ساكنة المغرب العربي موجودة في المغرب و الجزائر/
- 75% من الناتج الداخلي الإجمالي لبلدان المغرب العربي ينتجه المغرب و الجزائر/
- الاندماج الاقتصادي المغاربي سيمكن المغرب و الجزائر من ربح ما يعادل 5% من ناتجهما الداخلي الخام، و سيمكنهما من تجاوز خسارة نسبة 2 إلى 3% من نسبة النمو التي يتكبدانها سنويا…).
- لقد اختارت السياسة أن تتكلم لغة الإقتصاد والتنمية، لغة الواقعية، لغة الحاضر بتحدياته و المستقبل بمستلزماته .
لقد اختارت السياسة هنا وهي تتحدث عن حال و مآل خمسة اقطار مغاربية (حوالي 100 مليون نسمة) أن تقول الحقيقة عارية حول كل ما جمعنا ذات زمان، وما ضيعناه من وقت وفرص، وبددناه من إمكانيات ، واستنزفاه من طاقات، و جنيناه من خيبات …بفعل اللاوحدة و اللامغرب ذات أزمنة كثيرة.
لقد اختارت السياسة، على لسان ساسة خبروا لذة الوحدة و ذاقوا علقم التفرقة، أن تقول من وجدة بكل رمزيتها، بأن المغرب الكبير ليس صورة مراكشية يتيمة لذكرى جميلة ستكمل عقدها الثالث في فبراير 2019، وبأن كلفة اللامغرب هي باهظة اليوم، وقد يستحيل أداء فاتورتها غدا …ما لم نسرع الخطو نحو هدم جدارنا البرليني. - متعددة هي ومتنوعة انعكاسات الكلفة الباهظة لللامغرب، وهي تتأرجح بين الإنساني والسياسي والتنموي و الاقتصادي.
- في الأسابيع القليلة الماضية، انتقلت إلى رحمة الله بمدينة وجدة والدة صديقي فخر الدين، رحمها الله تعالى. ولم يتمكن أشقاؤها الذين يقطنون بالجزائر من حضور جنازتها رغم أنهم يقطنون بمدينة حدودية.
- لقد كان بإمكانهم ذات زمن أن يتناولوا وجبة الغذاء بالجزائر، ووجبة العشاء عند أختهم بوجدة ( وهكذا كان حال الآلاف من مواطني القطرين الشقيقين المختلطة دماؤهم )، ولكن إغلاق الحدود البرية المغربية _الجزائرية جعل زيارة الأهل هنا و هناك جحيما.
لعله الوجه الأبشع في كل هذا اللامغرب : الكلفة الإنسانية.
و أبشع منه أيضا، أن ممكنات هائلة يتوفر عليها الشمال الإفريقي لم تجد بعد الإرادة السياسية الصادقة والمستدامة لتحويلها إلى محركات ورافعات للتقدم و الازدهار، والنمو والأمن والاستقرار، والتطور والرفاه والتحديث والتكامل الجماعي، والتنافس مع الآخر المتكتل بتكتل مغاربي جماعي.
لقد كانت بضع نقرات على فأرة حاسوبنا، وبضع لحظات إبحار في عوالم الشبكة العنكبوتية، اطلعنا فيها على بضع تقارير وإحصائيات حول أقطار المغرب العربي، كافية لنردد و نصرخ : - أما آن ليد الميت هذه أن ترفع من على هذا المغرب الكبير؟
أليس جرما هذا الذي يقترف مع استمرار زرع بذور التفرقة؟
ألسنا أضحوكة بين العالمين، و نحن الذي ينطبق علينا المثل البليغ” جزار و معشي باللفت “..؟
لنتأمل بعضا من ممكنات بلداننا :
100 مليون نسمة تغطي بلدان المغرب الكبير مساحة قدرها 5,8 مليون كلم2، وهي بذلك سابع مساحة بعد كندا، روسيا، أستراليا، الصين، أمريكا والبرازيل، بها مليون و400 ألف كلم 2 من الأراضي الزراعية (الرابعة عالميا بعد أمريكا والصين والهند ) .
احتياطي النفط المؤكد، أكثر من 60 مليار برميل. ( التاسع عالميا).
احتياطي الغاز، 6 تريليون متر مكعب (الثامن عالميا ).
احتياطي مالي نقدي ضخم.
قوة عسكرية كبيرة جدا،
ناتج محلي يصل إلى 488 مليار دولار.
صادرات تجاوزت 120 مليار دولار.
حدود وثروات بحرية جد مهمة.
مؤهلات وسوق سياحية كبيرة.
جاذبية استثمارية قوية. - كل هذا….و حال الحال يغني عن السؤال.
- هشاشة اقتصادية واجتماعية،
- فقر و تخلف، أنظمة تعليمية وإجتماعية مفلسة.
- بطالة و هجرة متواترة، ارتهان للمؤسسات المالية، هامشية دولية، عجز فادح أمام العولمة.
- ترتيب مخجل في سلالم التنمية و مؤشراتها ….و كان الإنسان أول و آخر الضحايا.
و الحال أن كل هذا الثراء و الغنى كان يمكن أن يكون مصدر تقدم وازدهار للإنسان المغاربي لو صقل في سياسة عمومية مندمجة مغاربيا، منفتحة و متنافسة دوليا، و مسنودة شعبيا و ديمقراطيا. - إن اختيار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحديث عن الموضوع المغاربي مباشرة مع الجزائر، في تفاعل إيجابي مع التوجه الملكي القويم، و اختياره الحديث لغة ممكنات التكامل في أفق الاندماج الاقتصادي بما يحقق الازدهار والنماء والأمن والكرامة لبلدان وشعوب المنطقة، واختياره النظر إلى المستقبل دون خجل من الماضي، ونزوعه إلى الحوار حول المصالح والمصلحة المشتركة الواسعة عوضا عن مطبات الملفات والعقبات المفتعلة.،.. هو تعبير اتحادي آخر على أن كنه ومنتهى السياسة عند حزب اشتراكي ديمقراطي أصيل هو خدمة الإنسان/ المواطن. و كل ما عدا ذلك هراء.
- جواد شفيق، 16 دجنبر 2018.