لك الله يا مدينة فاس : رثاء من نوع خاص بقلم الفاعل المدني الحاج العابد الودغيري

لك الله يا مدينة فاس : رثاء من نوع خاص بقلم

الحاج العابد الودغيري

رحم الله أحد النواب البرلمانيين السابقين بمدينة فاس ينحذر من منطقة سوس العالمة، كان يملك مركبا سياحيا بمدينة فاس، وكانت تربطه علاقة صداقة  بوزير السياحة آنذك، حيث كنا نتبادل أطراف الحديث حول العراقيل المفتعلة التي كانت تقف في وجه كل من قرر ولوج عالم الإستثمار بهذه المدينة العتيقة.

وقد انبهرت على التو من تعقيبه المفعم بالحكمة البليغة، والممزوج بنوع من الحسرة والألم، على الطريقة البيروقراطية التي كانت تدبر بها شؤون مدينة فاس آنذاك، حيث قال لي بالحرف :
[إن الشخص الذي يقوم بأي مشروع استثماري بمدينة فاس وينجح فيه، لن يسأله ناكر ومنكر مباشرة بعد حشره في قبره بعد وفاته، ولن يقفا أبدا على قبره رحمة به وشفقة عليه، لأن بعض القائمين على تدبير ملفات فاس ومشاريعها الإستثمارية آنذاك سألوه مرارا وتكرارا، ومرمدوه غير ما مرة ]   

وبعد مرور نصف قرن على هذا الحديث فهمت ما معنى فاس والكل في فاس، رحمك الله أيها الصديق المستثمر الحكيم. 

مفارقات عديدة، ومتناقضات ملموسة ومتعددة، لن تجد لها الأثر الكوني، أو المشتل الطبيعي مع كامل الأسف، إلا بمدينة فاس المكلومة.

ورحم الله الزعيم الراحل علال الفاسي حين أنشد قائلا :

إلى كم نعيش بدون حياة     وكم ذا ننام عن الصالحات

فواحسرتاه على حالنا     وماذا استفدنا من الحسرات؟

عرانا الذهول ويا ليتنا       عرانا الذهول عن المهلكات

فاس هي المدينة الوحيدة التي يتعرض عليك الجار لأنك تقوم ببعض الإصلاحات بمنزلك.
فاس هي المدينة الوحيدة التي يطمع فيك الجيران في إصلاح ما تهدم من جيرانهم، ليمكنوك من إصلاح منزلك بدون إزعاج أو افتعال عراقيل ومضايقات مدسوسة. 
فاس هي المدينة الوحيدة التي يقول لك الجار [الله يعاون] ويذهب عند القائد ليرفع شكوى ضدك [إنها قمة النفاق]. 
فاس هي المدينة الوحيدة التي ينادي الجار على المقدم ليخبره أنك بنيت الضالة في الليل، وطلع عندك بالليل وقال لك الله يكمل بخير. 
فاس هي المدينة الوحيدة التي يتعرض فيها الجار على جاره لكي لا يضع سترة السطح، ويشتكي أن رجالا غرباء يطلون على نساءه في السطح. 
فاس هي المدينة الوحيدة التي يقف بعض الجيران سدا منيعا ضد أي مشروع استثماري، إلى حين خضوع المستثمر إلى ابتزازاتهم المالية المتتالية واللامتناهية. 
فاس هي المدينة الوحيدة التي يشتكي سكانها من وقوع الجريمة، ويساعدون المجرم على الفرار حتى لا تتمكن عناصر الشرطة من توقيفه. 

فاس هي المدينة الوحيدة التي يعمل فيها رجال الأمن ليل نهار للحد من الجريمة وتوقيف الجناة، وعند تقديمهم إلى العدالة يقوم الضحايا بتبرئة ساحتهم ويحررون تنازلاتهم عن متابعتهم قضائيا مقابل بعض الأموال.

فاس هي المدينة الوحيدة التي لا يخرج مثقفوها للتصويت، ويتشدقون برغبتهم في التغيير، والتشاؤم يطاردهم بذريعة أن [أولاد عبد الواحد واحد، أو بحجة أنه “ليس في القنافيد أملس”].
فاس هي المدينة الوحيدة التي تطالب ساكنتها بتحرير الملك العام، وعندما تقوم السلطة بواجبها عبر تحرير الساحات والفضاءات العمومية وممرات الراجلين، يسارع السكان لشكل تلقائي إلى استنكار العملية وترديد مقولة : 

[اللهم إن هذا منكر … وفين غادي يمشيو هاد الناس؟؟؟ واش بغيتوهم ينوضو يكريسيو عباد الله؟؟؟ اللهم إن هذا منكر]

واحسرتاه عليك يامدينتي، يا معشوقتي !!!

كنت أرغب في مغادرتك ما حييت، لكنني ظلمت فيك ومنك وبك… وستظل ذكراك في مخيلتي ما حييت.

فلك الله يا جوهرة ثمينة دنستها الأيادي الوسخة.

ولن أتخلى عنك يا ملهمتي، ولا بد أن أعود إليك رغم مرارة الألم، وشدة الحسرة، وقساوة المعاناة.