الولادة المتعسرة للحكومة المغربية بين الشروط التعجيزية والخرجات الإعلامية، وترقب التدخل الملكي الحاسم
محمد علـوي مذغـري
مقدر على الشعب المغربي أن يعيش ويلات الشعارات الإستهلاكية الفضفاضة، والسجالات اللفظية المعتادة، والمجادلات العقيمة المتتالية، والخرجات الإعلامية اللامسؤولة المألوفة، كلما تعلق الأمر بخوض غمار محطات إنتخابية، أو تشكيل مؤسسات دستورية، إرساء لدعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات.
وهي مغالطات سياسية لا تستند إلى منطق ديمقراطي معترف به عالميا، إلا منطق البراغماتية الحزبية التي تقدس وترعى المصالح المتجددة بعيدا عن الإلتزام بالمبادئ الدائمة، والتي يجسدها مع كامل الأسف، إصرار زعماء بعض الأحزاب المغربية على تشبثهم اللامنتهي بترسيخ أركان العقيدة السياسية في تدبيرهم اليومي للشأن الحزبي، وهي أركان ستة :
المكر والدهاء، والمداهنة والنفاق، وحب المناصب بدون إستحقاق، والإستئصال ضد المخالفين.
“كما حددها المفكر العربي الكبير، والمنظر السياسي المقتدر، الفيلسوف المغربي الراحل الدكتور محمد عابد الجابري، في بعض تحليلاته السياسية”.
وأمام هذا الوضع السياسي المقلق، لا يسعنا إلا أن نطرح التساؤلات التالية :
1 – من يتحمل مسؤولية هذا التماطل الغير المبرر، أو كما يسميه البعض Blocage؟
2 – ثم لماذا يتشبث زعماء بعض الأحزاب السياسية بترسيخ البراغماتية الحزبية الضيقة، دفاعا عن مصالحهم الشخصية ومصالح من يدور في فلكهم، ضدا عن مصلحة الوطن والمواطنين؟
3 – لكن إلى متى سيظل الترقب هو سيد الموقف، ويبقى التدخل الملكي هو الحل؟
إن هاته السجالات اللفظية والمجادلات العقيمة والخرجات الإعلامية اللامسؤولة التي واكبت الجولة الأولى من المفاوضات التي دشنها السيد عبد الإله بنكيران المكلف بتشكيل الحكومة، والتي أبانت في بعضها عن تشبث كل طرف بشروطه التي يعتبرها موضوعية إلى حد ما، في حين يعتبرها الطرف الآخر تعجيزية محضة متحكم فيها عن بعد، وهاته العناصر جميعها وغيرها ساهمت بشكل مباشر في تعطيل تشكيل الحكومة المقبلة، حيث وفي أفق إنهاء حالة الترقب والإنتظارية، يبقى الأمل الوحيد أمام الشعب المغربي، هو التدخل الملكي الحاسم لصاحب الجلالة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
نعم إن هذا التدخل الملكي السامي أمام هاته المعضلة السياسية، هو الكفيل برد الإعتبار لتقلد المناصب والمهام الحساسة، وجعل المسؤول المناسب في المنصب المناسب، وذلك من خلال مطالبته حفظه الله لقيادات أحزاب الأغلبية بضرورة اقتراح ضمن أطرها، كل من تتوفر لديه شروط الكفاءة والإستقامة، والنزاهة والإستحقاق، أو كما عبر عنه جلالته بصيغة : “كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة”.
وهو ما حرص على تأكيده جلالته نصره الله في خطابه التاريخي الذي ألقاه من العاصمة السينغالية دكار بمناسبة تخليد الذكرى 41 للمسيرة الخضراء المظفرة، حيث جاء في أحد فقراته التي يمكن اعتبارها خارطة الطريق الرشيدة التي يتعين على رئيس الحكومة المكلف السيد عبد الإله بنكيران ومن خلاله قيادات الأحزاب التي قد ترغب في المشاركة الحكومية، استحضار مضامينها الوجيهة والملزمة عند إقتراح الأسماء لتقلد المهام ، حيث قال جلالته أعز الله أمره بهذا الخصوص :
إن المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية.
بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا.
حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه.
الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة.
وسأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها.
فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة.
الأكيد أن جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، واستجابة لإنتظارات الشعب المغربي اليومية، وتطلعات المجتمع المدني والنسيج الجمعوي المستقبلية، سيحرص كل الحرص وبشكل صارم على ضرورة توفر كل عضو مقترح لتقلد إحدى الحقائب الوزارية من طرف رئيس الحكومة المكلف، على المعايير السالفة الذكر التي حددها جلالته نصره الله في خطابه بدكار.
فإلى أي حد ستلتزم أحزاب الأغلبية بهاته المعايير الموضوعية؟