دعوة الملك محمد السادس الجزائر للحوار … بَيَــانٌ مَـــا بَعْدَهُ بَيـَــان!!!
بقلم الدكتور مصطفى المريني
لا عذر للأشقاء في الجزائر بالاستمرار في سياسة الجفاء تجاه المغرب، بعد خطاب الملك محمد السادس في ال31 يوليوز 2021 بمناسبة الذكرى 22 لعيد العرش.
والذي بدد فيه كل الشكوك التي يمكن أن تنهض في أذهان الأشقاء كمبرر للاستمرار في نهج سياسة العداء تجاه بلد شقيق وجار، بل أكثر من جار، إنه والجزائر توأمان متكاملان، بتعبير جلالة الملك في الخطاب إياه.
فهل ثمة بيان بعد هذا البيان؟!.
لقد حرص جلالة الملك هذه المرة، بما عهد فيه من حكمة وحصافة وبعد نظر، على تبديد كل الأسباب، بالأحرى كل الأوهام التي فرقت بين أبناء الشعبين الشقيقين، حتى أنه لم يترك وهما من الأوهام التي ظل الاشقاء يتذرعون بها للاستمرار في سياسة الحذر تجاه المغرب إلا وهدمها ! ما ظهر منها، وما خفي في النفوس.
لقد مضى جلالة الملك مباشرة إلى الأوهام التي ظل يرفعها القادة في الجزائر لتبرير سياسة الحذر ازاء المغرب، وإبقاء الحدود مغلقة معه ليحطمها واحدة واحدة:
{أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر بأن الشر والمشاكل لن تاتيكم أبدا من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، ومايصيبكم يضرنا}. يقول جلالة الملك.
إنها رسالة طمأنة واضحة، بضمانات عالية من أعلى سلطة في الدولة المغربية، مغلفة بمشاعر الأخوة والسلام والمحبة، من شأنها إذا صادفت آذانا صاغية، وقلوبا صافية، وعقولا مفكرة، – كما نأمل هذه المرة – أن تطرح كل الهواجس وراءً، وتدشن لمسار جديد في العلاقات بين البلدين قوامه الحوار والثقة ومراعاة مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
ومن المؤكد أن الرسالة تعبير عن (سياسة دولة)، واختيار استراتيجي وثابت، وموقف أصيل لجلالة الملك، رئيس الدولة وممثلها الأسمى، لَمْ يَنِ يُعَبِّر عنه في كل مناسبة، وذلك منذ توليه الحكم في المغرب سنة 1999، لذلك لا مجال للتشكيك في مضمونها أو المراوغة في استقراء مضامينها، أو اعتبارها محض خطاب للتمويه، إنه بحق خطاب صادق، كتب بلغة بسيطة وواضحة لا شية فيها ..إنه خطاب العقل والقلب والوجدان !
ومما يؤكد صدق الخطاب، كونه جاء في سياق يتسم بتصاعد التوتر الاعلامي والدبلوماسي بين البلدين، لاسيما بعد تصريح السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال، خلال اجتماع دول عدم الانحياز بأحقية منطقة القبايل في الجزائر في تقرير مصيرها، تفاعلا مع إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة عن دعم بلاده لتقرير مصير سكان الصحراء المغربية، فاختيار التوقيت إنما جاء ليذكر بأن الموقف المغربي من العلاقة مع الجزائر هو ما عبر عنه جلالة الملك، إلا أن يُجَرَّ إلى مواقفَ لا يرتضيها.
وفي هذا السياق، أعرب جلالة الملك عن أسفه ” للتوترات الإعلامية والدبلوماسية التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيئ لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لاسيما في المحافل الدولية، داعيا إلى تغليب منطق الحكم، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا، فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان، كما أكد ذلك جلالة الملك.
جلالة الملك عبر كذلك عن عدم رضاه إزاء الوضع الحالي للعلاقات بين البلدين، مؤكدا قناعته “أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين، لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصيل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي ” مشيرا إلى أنه لم يفتأ يعبر عن ذلك صراحة في مختلف المناسبات:
{خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الاغلاق، لكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا} يقول جلالة الملك.
وفي نفس السياق، دعا جلالة الملك إلى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا ببن المغرب والجزائر من أجل تجاوز الوضع المؤسف الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا، مجددا الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، العمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
واعتبر الملك محمد السادس أن” أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره، والعكس صحيح، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر، لأنهما كالجسد الواحد ” لافتا إلى أن المغرب والجزائر يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والمخدرات، والاتجار في البشر، والعصابات التي تقوم بذلك هي عدونا المشترك، معتبرا أن مواجهة هذه التحديات لا يمكن التغلب عليها إلا في اطار عمل مشترك.
فمتى تعقل الجزائر أن مصالحها الاستراتيجية تكمن بوضع يدها في يد المغرب لبناء فضاء مغاربي قوي ومنافس، تذوب في بوتقته أوهام الزعامة الفردية، لفائدة قيادة جماعية تنتصب كمحاور في الدفاع عن المصالح الاقتصادية لشعوبها أمام الفضاءات والتجمعات الإقليمية المحيطة؟؟؟
وبالتالي تعود عن سياسة المناكفة والعداء التي اتخذتها عقيدة ضد بلد شقيق وجار، إمعانا في إضعافه، والنيل من وحدته وتماسكه، ونسيجه الجغرافي والاجتماعي والثقافي.
وسعيا إلى بتر جزء من هذا الكيان غير القابل للتجزئ لإقامة كيان وهمي يرضي أطماعها، ويخدم أوهامها في المنطقة، علما أن هذا المخطط البائس لن يخدم في النهاية المنطقة المغاربية في شيء، بل سيضاعف تحدياتها، ويعوق تقدمها ونهضتها، وقد يفتح عليها باب جهنم.
إنها سانحة تاريخية يطرحها اليوم الملك محمد السادس، لطي صفحة الماضي بين البلدين، والشروع في التأسيس لعلاقات جديدة مبنية على الحوار والثقة والمصالح المشتركة.
فهل إلى ذلك من سبيل ؟!