كثيرة هي البرامج الإصلاحية التي تحاول المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج جاهدة إعتمادها في إطار المعايير الوطنية والدولية المعمول بها، وذلك في أفق تفعيل دور المؤسسات السجنية في تكريس البعد الإنساني والتأهيلي في علاقة مباشرة مع السجناء في حدود ما يضمن الحفاظ على كرامتهم الإنسانية، وسلامتهم الجسدية والمعنوية، خاصة في ظل “التطور النوعي والكمي الذي تعرفه الجريمة” بكل تعقيداتها الاقتصادية والنفسية والسوسيولوجية والإيديولوجية والعقائدية، وهي مبادرة جريئة تستحق الإشادة والتنويه بالمجهودات الجبارة المبذولة من طرف المندوبية السامية لإدارة السجون وإعادة الإدماج في شخص مديرها العام السيد محمد صالح التامك.
غير أن ضمان نجاح هاته البرامج الإصلاحية التي تروم أنسنة ظروف الإعتقال وتحسين جودة خدمات المؤسسات السجنية على الصعيد الوطني بشكل عام، يبقى رهينا بمدى إنخراط المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في تأهيل أطرها وموظفيها “رجالا ونساء”، تأهيلا يروم تحسين أوضاعهم المادية والإجتماعية، وتطوير وتقوية قدراتهم العلمية والمعرفية، على اعتبار أن تأهيل السجون مشروع متكامل يستهدف الموارد البشرية والبنيات التحتية والإمكانيات المادية، ويرتكز أساسا على البعد القانوني والتنظيمي الذي يكرس تطوير هاته الممارسة والإرتقاء بها إلى الأفضل، دون إغفال المحيط المشرف عليها “أطر إدارية عليا وموظفين” الذين يتعين عليهم الإنخراط الفعال والجدي في مختلف مشاريع الإدماج المتقدمة التي تتبناها الإدارة العامة، والتي تروم أساسا إلى محو الترسبات الثقافية الملتبسة والنظرة السلبية اتجاه المؤسسات السجنية ببلادنا ودورها في إعادة الإدماج، على اعتبار أن تكريس مبدأ الحق في الإدماج بالنسبة للسجناء يندرج ضمن مطمح إنساني نبيل دشنه صاحب الجلالة أمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وذلك من خلال حرصه الدائم أعز الله أمره على توفير كل سبل الرعاية والإدماج للسجناء باعتبارهم مواطنين لا تنتفي حقوقهم المواطناتية بدخولهم السجن.
إن المؤسسات السجنية على الصعيد الوطني أصبحت أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى إصلاح إداري يراعي حقوق أطرها وموظفبها، لأن التجارب الناجحة أكدت أن الإهتمام بالموارد البشرية ركيزة أساسية ينبني عليها صرح الحياة الإدارية الحديثة، على اعتبار أن الإنسان الموظف بطبعه يبقى دائما بحاجة إلى التقدير والتحفيز، ذلك أن تقدير الإدارة العامة له يكسبه الثقة بذاته، ويحفزه على بذل الجهد المضني والعمل الذؤوب بتفان وإخلاص حفاظا على ثقة هاته الإدارة المواطنة، وهذا وحده كفيل بجعله يشعر بأنه عنصر منتج له مكانته في مؤسسته الإصلاحية، ويحظى باهتمام وتقدير رؤسائه ومحيطه المحلي والمركزي، وليس مجرد رقم ترتيبي في برنامج الحاسوب.
لذلك ومن أجله، يبقى من حق أطر وموظفي المؤسسات السجنية ترقب إلتفاتة الحكومة الحالية في شخص رئيسها السيد عبد الإله بنكيران وهي منهكمة في تحضير مشروع قانون المالية برسم سنة 2017 أن تتجه نحو تحسين الأوضاع المادية لهاته الشريحة المواطنة من رعايا صاحب الجلالة نصره الله، المعول عليها أنسنة ظروف الإعتقال وتحسين جودة المؤسسات السجنية، كخطوة استراتيجية لتأهيل وإعادة إدماج السجناء، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لصاجب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.