الإعـــلام وحقــوق الإنســـان أيـــة علاقــــة؟؟؟ : بقلم ذ عبد السلام الزروالي الحايكي

الإعـــلام وحقــوق الإنســـان أيـــة علاقــــة؟؟؟ : بقلم ذ عبد السلام الزروالي الحايكي

الإعـــلام  وحقــوق  الإنســـان : أيـــة علاقـــة؟؟؟ بقلم : قيدم الإعلاميين ذ عبد السلام الزروالي الحايك

  تمهيد :

      نصت المادة  19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في العام 1948 على أن :

« لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. »

       حيث أضافت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى هذا المفهوم الإنساني لحرية الإعلام بعدا جديدا في البيان الدولي الذي أصدرته في العام 1966، يؤكد على أن :

الحق في حرية التعبير يتضمن حرية البحث عن المعلومات والأفكار من كل نوع، والحصول عليها ونشرها دون أي اعتبار لأية حدود سیاسية، وبالشكل الذي يختاره الفرد سواء كان شفهيا، أم كتابيا، أم مطبوعا، أم متلفزا، أم بأي شكل أخر  {ويمكن فهم الشكل الأخر أنه يعني الآن الانترنت}.

     العديد من الدراسات الاستراتيجية، والأبحاث العلمية أكدت بأن الإعلام العربي قد لا يستطيع ممارسة رسالته في الدفاع عن حقوق الإنسان العربي، وعن حقوق الجماعات في الوطن العربي إذا كان هو نفسه يفتقر إلى حقوقه الكاملة كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1966.

     فإذا كان الإعلام قد لاقى على مر الأجيال اهتماما وتقديرا، فذلك لأنه قادر على أن يقوم بالدور المؤثر والفاعل الذي يكبح جماح غطرسة السلطة، والذي يعبر عن قناعات الناس الشخصية، ويدافع عن حقوقهم الكونية.حتى أن الرئيس الأميركي توماس جيفرسون  Thomas Jefferson كتب في العام 1787 قائلا :

« لو ترك لي الخيار بين أن تكون لنا حكومة من دون صحف أو صحف من دون حكومة، فلن أتردد في اختيار الثاني {صحف من دون حكومة}.

      إن تأثير الإعلام على حياة الأفراد والجماعات، وعلى صناعة القرار، وكذلك على التوازن الاجتماعي، هو في تزايد متواصل. منذ العام 1921 كان الصحافي الشهير والتر لیبمان   Walter Lippman   يردد :

« إن الصور المتمركزة في رؤوسنا، تتشكل بصورة أساسية من الصور التي نحصل عليها من أجهزة الإعلام »

      إن دور الإعلام في تحديد القيم الاجتماعية، وتأثيره على طريقة فهم الحقائق، وبلورة المقومات الاجتماعية، وقوته على إحداث التغيير واستيعابه، يجعل منه ( أي الإعلام ) أدلة لتكوين الرأي العام، أكثر منه مجرد أداة للإعراب عن وجهة نظر الرأي العام .

     لحد الآن لازال المنظرون يختلفون حول مدى قدرة الإعلام على عكس آراء وتطلعات الرأي العام، وهذا الاختلاف قد يستمر عقودا  أخرى من الزمن طويلة المدى، ولكن لا يمكن الشك في أن الإعلام هو أداة تغيير أساسية، فهو من جهة يسفه قيما وعادات وتقاليد، ومن جهة أخرى يطرح مقومات جديدة اجتماعية وثقافية اقتصادية وسياسية ويروج لها.

   ومن خلال عملية التغيير هذه بشقيها، تتعدى مهمة الإعلام مجرد الإعراب عن وجهة نظر الرأي العام، وتصل إلى حدود تكوين، أو على الأقل المساهمة بقسط كبير في عملية تكوين الرأي العام الذي يستمد كل معلوماته تقريبا من الإعلام، فإذا كان الرأي العام مضللا أو غير مدرك لحق من حقوقه، فإن الإعلام هو المسؤول، من أجل ذلك، لابد أن يتمتع الإعلام بكل أجهزته بقدر كبير من الصدقية التي تمكنه من أداء هذا الدور المهم والأساسي.

      ومن تم، فإنه يتعين إلقاء الضوء على إشكالية المفاهيم المتعددة لحقوق الإنسان، وكذا حول جدلية علاقة حقوق الإنسان بالتنمية البشرية، حتى يتسنى لمن يهمهم الأمر الحديث عن دور الإعلام العربي كراع وحام ومدافع عن الحقوق الإنسانية ذات الأبعاد الكونية الصرفة.

     لقد بات معلوما أن عملية التماثل « في الإنسان لم تعد ممكنة نظريا فقط، ولكن ممارسته بدأت في المختبرات العلمية أيضا وذلك من خلال إعادة ترتيب مادة «الحمض النووي  ADN»  الموجودة في الخلية الحية، والتي تحمل كل معادلات الوراثة والشخصية المميزة للفرد.

فالعلماء أصبحوا اليوم قادرين على إنتاج نماذج مماثلة تماما على شاكلة التوائم، غير أن عملية التماثل السلوكي بدأت قبل ذلك بعقود عديدة، ليس من خلال إعادة ترتيب مادة «الحمض النووي  ADN»، ولكن من خلال العقل وليس في المختبر، ولكن من خلال الإعلام : السنيما، التلفزة، الفيديو، الكمبيوتر، والصحافة.

      إن للإعلام تأثير مباشر على تكوين القيم وحتى العقائد لدى الإنسان، وتأثير الإعلام على العقول وعلى القناعات وعلى السلوك بلغ مستوى القدرة على رسم خطوط فاصلة بين الحق والباطل، بين الصحيح والخطأ، بين المقدس و غير المقدس، إنه قادر على إعادة ترتیب سلم الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الفكرية لدى الناس العامة، ولاسيما في الدول النامية.

      ومن هنا، فإننا عندما نطرح موضوع حقوق الإنسان، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل دور هذه العوامل السالفة الذكر في بلورة وتطبيق هذه الحقوق، لقد توسع مفهوم حقوق الإنسان من حقوق الفرد المدنية والسياسية إلى حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى حقوقه في النمو في كافة ميادين الحياة العامة بما في ذلك حقه في العيش في عالم صحي، ولذلك فإن العالمية أصبحت الأساس المركزي لنظام الحقوق.

                                 الإعلام  منبر  لنشر  ثقافة  حقوق  الإنســـان

      لقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة طائفة من التغيرات السياسية التي كان أثرها إيجابيا على صعيد حقوق الإنسان، وليس بأدل على ذلك من أن قضايا الإنسان باتت تتبوأ مكانا بارزا على جداول الأعمال في كثير من المؤتمرات، والمحافل الدولية والإقليمية على حد سواء … لقد كانت هذه القضايا محركا رئيسيا لتلك الموجة الهائلة من الأحداث والتغيرات السياسية التي اجتاحت شرق ووسط أوروبا، وبالأخص ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفيتي، فإذا بأنظمة تتهاوي وحكومات تسقط، وإذا بمجتمعات تطالب بحقوقها وحرياتها بعد أن رزحت عقودا من الزمن تحت نير القمع والاستبداد، وجاءت أنظمة وحكومات جديدة تعلن التزامها بالحقوق والمواثيق التي تحفظ حقوق الإنسان … ووصلت بعض هذه التغيرات إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، فخلف فيها أثرا عيمقا.

      ولكن بقدر ما استبشر دعاة حقوق الإنسان بهذه التحولات الإيجابية، بقدر ما أفعموا حسرة وقلقا لسببين رئيسيين :

أولهما : أن عدم استقرار الأحوال الاقتصادية وتصاعد النعرات القومية من شأنها أن يعصفا بالديمقراطية ويحبطا الجهود المضنية الرامية إلى نشر ثقافة حقيقية لحقوق الإنسان وخلق وعي صادق بها.

وثانيهما : أن الهوة مازالت شاسعة بين الِالتزام المعلن والممارسة الفعلية، وبين ما يتردد على الألسنة والأقلام من شعارات براقة، وخطب رنانة تقدس حقوق الإنسان، وتؤكد على مكانتها وحرمتها.

    وما نراه في الواقع من أفعال مشينة ترتكبها الحكومات وجماعات المعارضة، إذ تطأ حقوق الإنسان بأقدامها، ولا تستنكر ما يقع من اعتداءات على هذه الحقوق إلا إن وجدت في ذلك ما يحقق مآربها، أو إن لم يكن في استنكارها هذا ما يهدد مصالحها، أو يناقض توجيهاتها الحزبية، وإلا فهي تغض الأبصار وتصم الأذان …

إن هذا النفاق السافر، وذاك المسلك الانتقائي البغيض الشائع بين الحكومات، لهو من شر الآفات التي رزئت بها حقوق الإنسان، وهو أحد الأوجه القبيحة لهذه القضية، ألا وهي « تسييس » حقوق الإنسان.

      فقد اقتحمت السياسة مجددا ساحة حقوق الإنسان، بعد أن خفت السجال الذي احتدم حولها القرن الماضي، والذي اتخذ شكل مواجهة بين النظرة البورجوازية الليبرالية، والنظرة الاشتراكية،

أما المجال الراهن فتطغى عليه المَلَكة الدعائية، والدوافع والأهواء السياسية، والنظرة الحربتية الطبيعية، فمازال هنالك من ينعت حقوق الإنسان بأنها بدعة حزبية، بل بأنها مؤامرة غربية، تستهدف فرض نموذج حضاري معين يضرب عرض الحائط بخصوصية المجتمعات المختلفة وثقافاتها وتقاليدها وحضارتها …

   وفي غمار هذا السجال والجدال تتعدد الأطر المرجعية، وتتنوع المذاهب الفكرية، وإذا « بالإعلان العالمي الحقوق الإنسان، يخضع لشتى التأويلات تبعا لما يراه أصحابها، وما تقتضيه توجيهاتهم الحزبية، أو نظرياتهم السياسية، وكأن البشر لم ينادوا بالأمس القريب بأن يكون هذا الإعلان المختلف الآن في تأويله، المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم .

      وليس بخاف على أحد ما للإعلام من أهمية قصوى في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتوعية بها، على اعتبار أن نضال منظمة العفو الدولية من أجل حقوق الإنسان يرتبط ارتباطا وثيقا بالإعلام، وكيف لا والمنظمة نفسها برزت إلى الوجود على أثر صيحة أطلقها محام بريطاني في مقال نشرته صحيفة « الأوبزيرفر البريطانية »تحت عنوان : « السجناء المنسيون »

     ولم تلبث أن رددت صداها سائر وسائل الإعلام، ومنذ ذلك الحين منظمة العفو الدولية تولي اهتماما بالغا لوسائل الإعلام، فتستخدمها في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وإعلاء شأن هذه الحقوق والتوعية بها، وفضح الانتهاكات التي ترتكبها الحكومات وغيرها، وفي التعريف بنشاط المنظمة، وحث الناس على الانضمام إليها في مسعاها من أجل حقوق الإنسان، وللدعاية لما تقوم به من تحركات وحملات.

    ومن أجل هذا تحرص منظمة العفو الدولية على تعزيز الأواصر بينها وبين وسائل الإعلام، لمالها من أثر واسع وعميق في تشكيل الرأي العام، وذلك من خلال الندوات والمؤتمرات والحلقات الدراسية التي تنظمها مجموعات المنظمة وفروعها في شتى الأقطار.

                           دور  الإعلام  المغربي  في  نشر  ثقافة  حقوق  الإنسان

      الملاحظ على الإعلام المغربي بوجه عام أنه لم يتبين قضية التوعية بحقوق الإنسان من خلال خطة إعلامية واضحة.

     بل من المؤسف أن تناول قضايا حقوق الإنسان في وسائل الإعلام الوطنية هو في الأغلب والأعم لا يعدو أن يكون جانبا من الخطاب السياسي الذي لا يتوخى إعلاء شأن حقوق الإنسان، أو الدفاع عنها باعتبار ذلك هدفا في حد ذاته إنما يرمي إلى خدمة مصالح سياسية أو حزبية تقتضي تسليط الأضواء على بعض التجاوزات دون بعض، مع الاستشهاد كلما تيسر ذلك وسمح به السياق، بتقارير وبيانات منظمات حقوق الإنسان بحسبان أن مصداقية هذه المنظمات ونزاهتها هي بمعزل عن الشك، أما إذا كان ما تقوله هذه المنظمات يتعارض مع المصالح والأهواء السياسية، فيتم التعتيم عليه، بل وقد يطعن في مصداقية قائله وتسحب منه الثقة.

    وغني عن البيان أن هذا المسلك يضر ضررا بالغا بحركة حقوق الإنسان عموما، ويشكك في نوايا دعاة حقوق الإنسان والمنظمات المعنية بها، بل ويشوه صورتها لدى الجماهير .ويتجلى ذلك بوجه خاص في تغطية الإعلام المغربي الأنشطة منظمة العفو الدولي ونضالها من أجل حقوق الإنسان.

      فرغم التطورات الإيجابية التي طرأت على هذه التغطية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تقسم، بالانتقاء إلى حد بعيد، فهناك صحف تعتم على تقارير تتعلق بالدول التي تنتمي إليها أو التي تمولها، وهناك صحف أخرى تنشر تقارير تتعاطى مع توجهاتها السياسية، والأنكى من ذلك أن المحررين في هذه الصحف لا يخفون هذا المنحى في معرض تبريرهم لعدم نشر هذا التقرير أو ذاك.

      يجب على الإعلام أن ينهض بدوره الحيوي في إرساء ثقافة حقوق الإنسان، باعتبارها قضية جوهرية يتبناها وينأى بها عن الأهواء والاعتبارات السياسية … ويشمل ذلك التوعية بالمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان، وتسليط الضوء على أنشطة دعاة حقوق الإنسان تستهدف إعلاء شأن حقوق الإنسان والدفاع عنه، غير أن هذه التوعية لم تحظ بعد بما تستحقه من الاهتمام من جانب وسائل الإعلام، ولاسيما المرئية والمسموعة منها.

    ولما كانت الإذاعة والتلفاز يخضعان لسيطرة الدولة، فإن العبء الأكبر في هذه التوعية إنما يقع على كاهل الدولة، ويمكن أن يتم ذلك بوسائل متعددة من بينها على سبيل المثال لا الحصر، البرامج والمسابقات الثقافية، والأعمال الدرامية الهادفة إلى ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، وتعميق وعي الجماهير بحقوقهم بصورة غير مباشرة حتى تصبح عادات يعتادونها، وسلوكا يسلكونه في حياتهم اليومية، حتى دون أن يتذكروا أسماءها.

      إننا ندعو إلى ترسيخ ثقافة حقيقية لحقوق الإنسان ووعي صادق بها؛ ليس الأمر فيها أن تصاغ في إعلانات واتفاقيات ومواثيق ودساتير وكفى، ولا تردد أسماؤها على الألسنة والأقلام.

      بل أن يكون الناس جميعا أينما كانوا على وعي بأبعاد المعاني التي تشير إليها هذه الأسماء، فمن الشطط أن نطالب إنسانا بالدفاع عن حقوقه وهو لا يدري ما هي.

     وليست هذه المعرفة سوى الخطوة الأولى التي تتيح للناس مهما كانت منزلتهم الثقافية، وأيا كان حظهم من التعليم، أن يكون لهم نصيب من استيعاب حقوقهم وفهم ما يترتب عليها.

    ولكن الأهم من ذلك أن تتشربها نفوسهم، وأن يرهف حسهم بها، وتجيء أفعالهم مجسدة لما هو مقصود منها …ذلك هو الوعي الذي ينبغي أن تطمح إليه وسائل الإعلام، وتسعى لتحقيقه.           

                                                           

  ذ. عبد السلام الزروالي الحايكي


اترك تعليقاً