النص الكامل لكلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2021

النص الكامل لكلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2021

بإذن مولوي سامي من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ترأس الأستاذ مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أشغال الجلسة الرسمية لافتتاح السنة القضائية الجديدة 2021، التي احتضنتها القاعة الكبرى لمحكمة النقض، صباح يومه الجمعة 5 فبراير 2021.

 خلال هذه الجلسة الرسمية التي تعتبر موعدا قضائيا سنويا باِمتياز، قدم الأستاذ مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حصيلة السنة القضائية المنصرمة 2020، التي تضمنتها كلمته التوجيهية المستفيضة.

وبالنظر إلى أهميتها القصوى من حيث المحاور المتعددة والمواضيع المتنوعة التي تناولتها بالدراسة المعمقة البليغة، والتحليل الموضوعي المستفيض، ولكل غاية مفيدة، نضع رهن إشارتكم النص الكامل لهذه الكلمة الوجيهة التي ألقها الأستاذ مصطفى فارس بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2021.

بسم الله الرحمان الرحيم

والحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه؛

باسم جلالة الملك أعلن عن افتتاح هذه الجلسة الرسمية؛

  بكل اعتزاز وتقدير، يطيب لي أن أفتتح هذه الجلسة الرسمية السنوية بإذن مولوي سامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له العز والتمكين.

     إذن ملكي سامي ذي دلالات رمزية كبرى، يعبر عن عناية جلالته بأسرة القضاء، وحرصه الكريم الدائم على ضمان استقلالها وحفظ هيبتها وكرامتها المستمدة من قدسية رسالتها، ودقة وأهمية أدوارها ومهامها. 

     إننا اليوم أمام مكرمة ملكية وتشريف وثقة مولوية غالية يحق لأسرة القضاء أن تفخر بها كوسام عز وتقدير، وتجعلها نصب أعينها حافزا لمواصلة العطاء، والانخراط الوطني الجاد والمسؤول، لتكون في مستوى هذا التشريف، وهذه الأمانة العظمى.

   فالله نسأل أن يحفظ ملكنا الهمام المنصور بالله ويسدد خطاه وأن يوفقنا لنكون في مستوى هذه الثقة والاِلتفاتة الغالية. ضيوفنـــا الكــــــــرام؛

        إن مشاركتكم معنا اليوم سواء من خلال هذا الحضور، أو عن بعد من أجل تكريس هذا التقليد القضائي الأصيل، نعتبره رسالة ثقة واعتزاز بالجهود الكبرى التي تقوم بها السلطة القضائية، ودعم لاستقلاليتها، وتحفيز لكل قاضيات وقضاة المملكة المرابطين بكل محاكم المملكة من أجل صون الحريات وضمان الحقوق والتطبيق العادل للقانون وتكريس الأمن القضائي. 

     فلكم جميعا أصحاب المعالي والفضيلة كل باسمه وصفته جزيل الشكر، وعظيم الثناء على هذا الاهتمام والتشريف. 

       واسمحوا لي أن اغتنم هذه المناسبة لأعبر عن شكر خاص للسيد وزير العدل الفاضل المحترم السيد محمد بن عبد القادر، والسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة الأخ العزيز السيد محمد عبد النباوي على كل ما أبانوا عنه كعادتهم من عمل وطني دؤوب، وتكريس حقيقي لقيم التعاون والمقاربة التشاركية الناجعة التي نعتبرها الركن الأساس لتنزيل حقيقي لمشاريع الإصلاح وخدمة العدالة ببلادنا، فلهما جزيل الشكر وعظيم الامتنان. 

الحضــــور الكريـــــــم؛

      لا شك أن لغة الأرقام والمعطيات الاحصائيات إن كانت مؤشرا لقيمة العمل المنجز وجودته وآثاره، فإنها لن تعبر بكل يقين عن كل الجهود التي حرص المجلس الأعلى للسلطة القضائية على بذلها خلال سنة 2020، سنة حرصنا فيها على الاشتغال من خلال أوراش متعددة متوازية، سأعرض عليكم بعض تفاصيلها وخلاصاتها، كالآتي:

أولا: ورش مواجهة تداعيات وباء كورونا على قطاع العدالة

     سنة 2020 التي ودعناها كانت امتحانا استثنائيا بكل المقاييس فرضت على جميع دول العالم ومختلف المؤسسات والمنظمات أوضاعا صعبة ومعقدة بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد وما استلزمه ذلك من تدابير صحية وقائية صارمة غيرت الكثير من المعطيات والممارسات على مختلف المجالات والمستويات.

      واقع استثنائي واجهته بلادنا بكثير من التميز والجرأة بفضل الرؤية الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله التي عززت قيم القرب الإنساني والمناعة الجماعية عبر التمسك بقيم المسؤولية والمواطنة والمبادرة.

      لقد كانت سنة 2020 مناسبة أكدت من خلالها السلطة القضائية بالملموس انخراطها في الصفوف الأولى الأمامية لمواجهة هذه التداعيات الاستثنائية غير المتوقعة، باعتماد قواعد حكامة المخاطر، واستراتيجية تدبير الأزمات، من خلال مقاربة مندمجة عملت على التوفيق بين ضمان الأمن الصحي للمرتفقين والعاملين بأسرة العدالة، وضمان استمرارية المرفق في أداء التزاماته الدستورية والقانونية والحقوقية بكل فعالية ونجاعة وذلك من خلال المداخل التالية:

– الفكر التضامني

– العمل التشاركي

– الحلول الخلاقة

– التواصل والشفافية

         حيث بادرت كل مكونات السلطة القضائية من أعضاء وقضاة وأطر وعاملين إلى تلبية نداء الواجب الوطني بالمساهمة التلقائية، والتفاعل الفوري مع المبادرة الإنسانية الملكية السامية بإحداث الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة فيروس كورونا، كما قمنا وبمجرد ما بدت بوادر هذا الوباء الصحي إلى توجيه بشكل استباقي كتابا للمسؤولين القضائيين بمختلف المحاكم للتشديد في مراقبة الولوج، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب انتشار هذا الوباء، داعين إلى إخبار الجهات المعنية بكل حالة تكون محط شك في حمل الفيروس، أو تظهر عليها أعراض المرض، حماية للمرتفقين والعاملين بالمؤسسة القضائية. 

‏‎​     ثم بادرنا بتنسيق مع السيد الوكيل العام لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، والسيد وزير العدل إلى اتخاذ قرار عاجل يوم 16 مارس قبل اتخاذ قرار الحجر الصحي بتعليق جميع الجلسات بمختلف المحاكم باستثناء قضايا المعتقلين، والقضايا الاستعجالية، حماية للصحة والسلامة العامة .

    وضمانا في نفس الوقت لاستمرار المرفق العام في أداء واجبه والتزامه الدستوري بصيانة الحقوق والحريات، واضعين رهن إشارة العموم كل آليات التواصل عن بعد ليضطلع المرتفقون ويطمئنوا على مآلات ملفاتهم وإجراءاتهم. 

 ‏‎​     قرارات عملنا على مواكبتها بعدد من التوجيهات والمذكرات لمختلف المحاكم من أجل رصد كل الاشكالات المستجدة، وحلها بمختلف الطرق القانونية المتاحة، في موازنة واضحة بين ما تفرضه إجراءات الصحة والسلامة، وبين التدبير الأمثل لهذا المرفق الحيوي الهام، خاصة في مثل هذه الظرفية الاستثنائية. ‏ 

     كما بدى جليا أيضا هاجس ضمان سلامة المعتقلين، وسد منافذ انتقال العدوى حاضرا كأولوية من خلال إصدار السلطة القضائية لتعليمات وتوجيهات حول كيفية التدبير الوقائي العملي لسير الجلسات، وتفاعلنا بشكل إيجابي مع ملتمس وزارة الثقافة والشباب والرياضة بخصوص تغيير التدابير المتعلقة بنزيلات ونزلاء مراكز حماية الطفولة، ‏‎​حيث تم إصدار دورية في هذا الاتجاه بما يحفظ المصلحة الفضلى للأحداث، وتحقيق شروط الصحة العامة، ووقاية الأطر الإدارية والتربوية العاملة بهذه المراكز. 

السيدات والسادة الأفاضل؛ ​

   تدبير مرحلة ما بعد رفع الحجر الصحي بكل تحدياتها وإكراهاتها كانت أيضا حاضرة ضمن أولوياتنا منذ بداية هذا الوضع الإستثنائي، حيث بادرنا إلى توجيه مذكرة للمسؤولين القضائيين من أجل الاستعداد لهذه المرحلة من خلال فتح كل قنوات الحوار مع الفاعلين والمهنيين على مستوى دوائرهم من أجل رصد الإشكالات المتوقعة، واقتراح حلول بشأنها، مما يمكنهم من استئناف العمل في أحسن الظروف وبأقل ضغط ممكن، تفاديا لأي تراكم أو تأخير محتمل. 

   كما عقدنا اجتماعا للجنة الرباعية تم من خلاله وضع تصور مبدئي لتدبير الفترة المقبلة من خلال منهج تدريجي عبر ثلاث مراحل يضع الأمن الصحي في المقام الأول، ومراعاة خصوصية كل دائرة قضائية عبر تمكين المسؤولين من وضع التدابير الملائمة للعنصر البشري، ولطبيعة الملفات وعددها، من خلال مقاربة تشاركية تؤسس للجان يقظة تسهر على حسن تطبيق هذه الإجراءات والتدابير، وهو ما قمنا ببسط خطوطه العريضة وجوانبه التفصيلية العملية خلال اجتماعنا عن بعد مع كافة السادة الرؤساء الأولين لمحاكم استئناف المملكة الذين عبروا عن تعبئتهم التامة من أجل تدبير هذه المرحلة القادمة بكل ما تقتضيه من تبصر وحكمة ونجاعة.  

السيدات والسادة الأفاضل؛

     أكيد أنه في ظل هذه الرهانات المتعددة التي فرضها وضع استثنائي لم يكن متوقعا، كان لابد لهذا المجلس الموقر وهو يؤدي اليوم مهامه الدستورية والتنظيمية أن يراعي كل هذه المستجدات برؤية متبصرة موضوعية، ويواجه عدد من هذه الاشكالات بالحكمة والحزم المطلوبين، وأن يعمل على تطوير آليات اشتغاله ويلائمها مع متطلبات المستقبل.

   منهج عمل استلهمناه من الرؤية السامية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، التي وضعت صحة وسلامة الإنسان فوق كل الاعتبارات والأولويات.

   رؤية ملكية إنسانية عميقة الدلالات خولتنا بفضل الله استمرارية محاكم المملكة في أداء عملها، ومكنتنا في نفس الآن من ضمان الأمن القانوني وحماية المكتسبات الكبرى التي حققتها العدالة ببلادنا.

  وهنا لابد من الإشادة بالعمل الوطني الكبير لقاضياتنا وقضاتنا وللسيدات والسادة أطر وموظفي كتابة الضبط الذين كانوا في الصفوف الأولى من أجل مواجهة تداعيات هذا الوباء مرابطين بمقرات عملهم ساهرين على التطبيق العادل للقانون وتقديم الخدمات القضائية الواجبة بكل وطنية ومسؤولية، وبذل وعطاء، فلهم منا جزيل الشكر والامتنان.

ثانيا: ورش المحاكمات عن بعد: خيار استراتيجي لمواجهة الأزمة

فرضت الظروف الاستثنائية التي عرفتها بلادنا بسبب الحجر الصحي على المجلس الأعلى للسلطة القضائية الاقدام مع باقي الشركاء على تفعيل تدبير مشروع المحاكمات عن بعد بخصوص قضايا المعتقلين الذين لم يعد بالإمكان نقلهم من أماكن اعتقالهم إلى قاعات المحاكم.

تدابير ألزمتنا بتعبئة كل الموارد التقنية واللوجيستيكية، وذلك في وقت قياسي وتنسيق عمل مختلف الفاعلين من سلط ومؤسسات، ومهنيي العدالة من أطر كتابة الضبط وهيئات الدفاع، وذلك من أجل ضبط الإيقاع، وتتبع كل التفاصيل التنظيمية والبشرية اللازمة.

 محاكمات عن بعد حرصنا على تفعيل بنودها في وقت قياسي استثنائي وبرزت كتجربة متميزة، حققنا من خلالها عددا من الأهداف أذكر منها ما يلي:

  •  * ضمان استمرارية انعقاد الجلسات بمختلف محاكم المملكة دون استثناء بالنسبة للمعتقلين، مما يشكل تفعيلا للحق في المحاكمة في ظل ظروف صحية عالمية استثنائية ألزمت إدارة السجون باتخاذ قرار عدم نقل المعتقلين خوفا من بروز بؤر للعدوى.
  • * الحرص على صحة وسلامة القضاة وأطر وموظفي كتابة الضبط والمحامين وكافة المرتفقين، في وقت كان تفشي الوباء يعرف منحى تصاعديا مقلقا.
  • * تكريس كل قواعد وضمانات المحاكمة العادلة من خلال الحرص على التطبيق التام السليم لكل الإجراءات المسطرية بعد موافقة المعتقلين على محاكمتهم بهذه الطريقة، وحضور دفاعهم الذي مكن من ممارسة حق التخابر وفق آليات وتدابير ملائمة.
  • *صون الحق في الحرية كمبدأ إنساني ودستوري أساسي من خلال تمكن عدد من المعتقلين من نيل حريتهم نتيجة صدور أحكام لفائدتهم بفضل هذه المحاكمات عن بعد.
  •  *إبراز انخراط السلطة القضائية من خلال هذه المقاربة الاستباقية التشاركية في مشروع تحديث وتطوير عمل منظومة العدالة والإرتقاء بها كرافعة أساسية للتنمية، ولتكون في مستوى التحديات المستقبلية، والدفع بشكل إيجابي في اتجاه الإنتقال الى المشروع المتكامل الشامل للتقاضي عن بعد، وللمحاكمة الرقمية.

       وقد واكبنا عن كثب تنزيل هذه العملية منذ انطلاقتها الرسمية يوم 27 أبريل 2020، وحرصنا على تفعيلها وتتبع كل تفاصيلها وجزيئاتها التنظيمية والتقنية والبشرية بمختلف محاكم المملكة، ومنها محكمة النقض التي عقدت أول جلساتها عن بعد يوم 6 ماي 2020 بخصوص قضايا تسليم الأجانب الذين تمت محاكمتهم بعد موافقتهم، وبحضور هيئة الدفاع والتراجمة تكريسا لكل شروط المحاكمة العادلة.

      ويحق لنا اليوم وللتاريخ ورغم كل الانتقادات والملاحظات أن نفتخر وبكل موضوعية وأمانة بهذا المشروع المتفرد الذي نال إشادة وتنويها وطنيا ودوليا، وأثار اهتمام العديد من المؤسسات والمنظمات من خلال النتائج والمعطيات والحصيلة التي استطعنا جميعا كشركاء بلوغها خلال الفترة الممتدة من 27 ابريل سنة 2020 الى 29 يناير من هذه السنة، بحيث عقدت مختلف محاكم المملكة 14161 جلسة أدرجت خلالها 266159 قضية.

      لقد أثبت التاريخ أن المستحيل ليس مغربيا وأن المغرب غني برأسماله اللامادي، بناته وأبناؤه الذين يتحدون الأزمات بتفان وإبداع ووطنية ونكران ذات.

فكل الشكر والتقدير لجميع قاضياتنا وقضاتنا، ولكل أطر وموظفي كتابة الضبط، وإدارة السجون الذين ساهموا كفريق واحد من أجل نجاح هذا المشروع الوطني الكبير، مع شكر وتقدير خاص للسيد المندوب العام لإدارة السجون الذي بذل مجهودات كبرى من أجل تذليل كل الصعاب والعقبات بكل وطنية ومسؤولية.

 إن نقمة هذا الوباء أتاحت لنا نعمة الإقدام بكل جدية على تطوير برامج التحديث والسير قدما في ورش الرقمنة والمحكمة الرقمية التي ما فتىء جلالة الملك دام له النصر والتأييد يحث عليها ويؤكد على أهميتها، اليوم العدالة أمام موعد مع المستقبل لا يمكن أن تخلفه.

ثــالثا: ورش التحديث والــرقمنة

 وقد تم الأخذ بعين الاعتبار بمناسبة القيام بعملية تطوير هذه البرامج والتطبيقات الوظائف المهنية والتنظيم الهيكلي لمختلف مصالح المجلس وما يترتب عليه من توفير أنظمة فرعية خاصة بها لإدخال وحفظ ومعالجة المعلومات، باعتبارها جزء لا يتجزأ من النظام المعلوماتي الكلي المندمج لتحقيق التكامل بين هذه الأنظمة الفرعية.

هذه البرامج التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

v رقمنة مكتب الضبط الرقمي الذي يعد منظومة تقنية لتدبير وتتبع المراسلات تخول تدبيرا إداريا جيدا، وتمكن من التحقق من المراسلات، وتقليص تبادل الوثائق الورقية، وتوفير الاحصائيات، وتسهيل الولوج إلى المعلومة ودعم التواصل الإلكتروني؛

 v  التدبير الإلكتروني للوثائق والأرشيف الذي كان دائما هدفا أساسيا بالنسبة لنا سيتيح لنا الزيادة في الإنتاجية، وفي جودة الخدمات، وضمان الفعالية والنجاعة في الأداء؛

v  برنامج تدبير الشكايات وطلبات المقابلة الذي نعتبره ليس فقط تدبيرا لعمل إداري، بل رافعة لتكريس الثقة، وتجويد عمل القضاء وتجسيدا للآليات الدستورية والقانونية التي تلزم بالتجاوب الفعال مع شكايات المرتفقين وتدبيرها بشكل سريع وفعال وشفاف؛

 v  البرنامج الرقمي لتتبع مآل الملفات القضائية الذي يمكن من تعزيز استقلال السلطة القضائية، وتسهيل الولوج الى المعطيات والإحصائيات، وتتبع مختلف الإجراءات والمراحل بشكل سهل وسريع؛

 v  تطوير برنامج خاص لمواكبة قضايا الاستيلاء على عقارات الغير، تفاعلا مع التوجهات الملكية السامية بخصوص هذا الموضوع ذي الأبعاد الكبرى والتحديات المتعددة؛

v تطوير منظومة تدبير الوضعية المهنية للقضاة التي تتضمن مجموعة من الخدمات الإلكترونية، وقواعد بيانات شاملة ومفصلة تساعد بشكل كبير أعضاء المجلس على تدبير وضعيات وطلبات السادة القضاة؛

 v  تطوير برنامج تقارير تقييم السادة القضاة، وبرنامج تدبير المخزون، وتتبع الطلبات، وبرامج تدبير التكوينات، وبرامج تدبير التأديبات والطعون.

    وإضافة إلى هذه البرامج المعلوماتية الهامة التي أنجزها أطر ومهندسوا المجلس بتنسيق مع كل الأقطاب والشعب والوحدات، فقد سهرنا خلال هذه السنة على تطوير وتأهيل وصيانة البنية المعلوماتية من أجل ضمان الأمن المعلوماتي، وتجاوز مختلف الإشكالات التقنية التي تعيق السير العادي للعمل داخل المؤسسة.

    والأكيد أن كل هذه المعطيات تعتبر خطوات أساسية من أجل بناء في العمق يضمن حقوق الأجيال القادمة : إن المستقبل ينتمي دائما لمن يعد له اليوم.

رابعا: ورش التواصــــل والانفتـــــاح

لا شك أن القيمة المضافة لأي مؤسسة تتحقق من العناصر غير الملموسة، وأهم هذه العناصر هو التواصل، لهذا عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية على مواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا من خلال استراتيجية تواصلية ركز فيها على بناء جسور الإنفتاح والشفافية في اتخاذ القرارات الناجعة، وتسليط الضوء على مختلف المنجزات المحققة خلال هذه الفترة، وايصال المعلومة للجميع بآليات متعددة ومتنوعة.

  وفي هذا السياق، قام المجلس بمجرد إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد يوم 20 مارس إلى وضع رهن إشارة عموم المرتفقين لائحة خاصة بالأرقام الهاتفية والبريد الإلكتروني والفاكس لمختلف محاكم المملكة من أجل ضمان للاستمرار في الإستفادة من الخدمات القضائية.

     كما تم عقد عدد من اللقاءات مع المسؤولين القضائيين عبر تقنية التناظر المرئي، وتطبيقات التواصل الفوري لمناقشة كل الترتيبات اللازمة لتدبير عمل المحاكم وإعدادها لمواجهة تحديات المراحل المقبلة وتوحيد آلياتها.

 وقد كرس المجلس انفتاحه على وسائل الإعلام خلال فترة الطوارئ باعتماد سياسة تواصلية ترتكز على شرح كافة المبادرات والتدابير التي اتخذها من أجل تكريس ثقة المواطن، معتمدا في ذلك على ما يلي:

  • استخدام كافة وسائل التواصل الحديثة لإيصال المعلومة، وهو ما أتاح متابعة هذه الأنشطة بشكل مكثف وآني، وتوسيع شريحة المتتبعين والمستهدفين.
  •  إعداد ونشر وصلات إعلامية توعوية للتحسيس بمخاطر الوباء.
  •  إعداد وصلات تعريفية باللغتين العربية والأمازيغية للتعريف بنوعية القضايا التي بقيت معروضة أمام المحاكم خلال مرحلة الحجر الصحي.
  •  المشاركة في عدد من البرامج واللقاءات المرئية والمسموعة والمكتوبة سواء على المستوى الوطني أو الدولي، والتي تم التفاعل معها بشكل واسع على مستوى وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي.
  •  المشاركة في عشرات الندوات واللقاءات العملية مع مختلف الشركاء والمهنيين وفعاليات المجتمع المدني والأكاديميين لمناقشة مواضيع ذات ارتباط بتداعيات وباء كورونا على المستوى الوطني والدولي.

وهي كلها تدابير مندمجة عكست دينامية المجلس التواصلية خلال فترة ذروة الأزمة، حيث كانت الحاجة ملحة لدى العموم إلى المعلومة الصحيحة والتفهم والاقتناع.

 فضلا عن ذلك فقد واصل المجلس استراتيجيته التواصلية وذلك من خلال عدد من المحاور منها:

  •  المشاركة في فعاليات المعرض الدولي للكتاب من خلال رواقه الذي شهد تنظيم سبعة لقاءات علمية تواصلية أطرها نخبة من القضاة وعرفت إقبالا كبيرا من طرف المهنيين والأكاديميين والعموم؛
  • إعداد صفحة جديدة للموقع الإلكتروني؛
  • وضع خطة عمل جديدة للتواصل الرقمي للمجلس؛
  • خلق هوية بصرية مؤسساتية للمجلس؛
  • وضع برامج للتكوين في مجال التواصل خاص بالسادة القضاة يتم إنجازها هذه السنة؛
  • إعداد برامج للتواصل مع هيئات المجتمع المدني والحقوقي المهتمة بقطاع العدالة.
  • استقبال عدد هام من الطلبة الباحثين من مختلف الجامعات المغربية والمساهمة في تأطيرهم وتجويد بحوثهم ودراساتهم الاكاديمية. وهنا لابد من الإشارة الى اننا بصدد اعداد مشروع متكامل لمكتبة بمواصفات متميزة وطاقة استيعابية أكبر وكدا متحف واقعي لحفظ الذاكرة القضائية الوطنية الغنية.

والأكيد أن قناعتنا راسخة بأن التواصل يبقى من أهم مداخل تكريس الثقة ومفتاح لنجاح أي مشروع إصلاحي مجتمعي كبير.

خــامسا: ورش التكويــــن

 وهو ورش نعتبره من أولويات المخطط الاستراتيجي، ونوليه عناية خاصة باعتباره أحد المداخل الأساسية لتثمين الرأسمال البشري للسلطة القضائية، ودعامة أساسية من دعائم إصلاح منظومة العدالة.

 وفي هذا السياق فقد واصلنا مخططنا لسنة 2020 رغم كل الإكراهات التي فرضتها الجائحة حيث ركزنا على مقاربة منهجية وعملية استطعنا من خلالها توفير تكوينات عامة وأخرى متخصصة لدعم وتعزيز قدرات السادة القضاة، إضافة إلى التكوينات التي ارتبطت بأثار حالة الطوارئ الصحية على الميدان القضائي والتكوينات في مجالات ذات طبيعة تقنية وتدبيرية، حيث بلغ مجموعها 35 دورة تكوينية وزعت بين الميدانية وعن بعد استفاد منها 611 من القضاة في مواضيع عملية مختلفة، كما مكنا 309 من القضاة من المشاركة في دورات تكوينية دولية بشراكة وتعاون مع منظمات وهيئات دولية مختلفة.

ووعيا منا بضرورة بناء أسس متينة لعمل المجلس، فقد قمنا بتنظيم ما مجموعه 48 دورة تكوينية لفائدة 112 من المسؤولين والأطر الإدارية همت بالخصوص الرقمنة والمعلوميات والإدارة القضائية وتدبير الموارد البشرية وغيرها من المواضيع التي من شأنها إغناء معارف وتجارب العاملين بالمجلس وتحسين أدائهم الوظيفي والمهني.

 وعزمنا أكيد على تجاوز كل الإكراهات والصعوبات ذات البعد التقني واللوجيستيكي والثقافي من أجل تجويد هذه البرامج خدمة للعدالة ومرتفقيها.

 سادسا: ورش الدراســـات والآراء والتقاريـــر

تنزيلا لإختصاصاته الدستورية وتجسيد لدوره كقوة إقتراحية في مجال تطوير منظومة العدالة، قام المجلس بعدد من الدراسات الإحصائية الهامة ذات الطبيعة العامة وأخرى مرتبطة بأثار وتداعيات حالة الطوارئ الصحية، وفي هذا السياق قام المجلس بما يلي:

  • إنجاز التقرير السنوي الخاص بالمجلس؛
  • إعداد دراسة إحصائية لقياس مدى تأثير التبليغ على أجل البت في القضايا؛
  • إنجاز دراسة حول عدد القضايا المتوقع تسجيلها بمختلف المحاكم بعد رفع حالة الحجر الصحي؛
  • الجواب على استبيان الهيئات والمقررين الأممين ومؤسسات قضائية دولية بخصوص الجهود المبذولة في مجال مكافحة الإتجار بالبشر، وكذا أثار جائحة كورونا على تدبير الشأن القضائي، وأيضا حول موضوع أخلاقيات القضاة؛
  • إعداد تقرير حول ما تم تنفيذه من توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة المتعلقة باختصاصات المجلس؛
  • إنجاز تقرير إحصائي خاص بقضايا خرق حالة الطوارئ الصحية؛
  • إعداد تقرير إحصائي بشأن قياس تأثير الجائحة على بعض القضايا مثل العنف ضد النساء وصعوبات المقولة؛
  • إعداد النشرة الإحصائية السنوية لنشاط مختلف المحاكم؛
  • كما ساهم المجلس بإبداء الرأي في مجموعة من مشاريع القوانين ومنها:
    •  الصيغة الأخيرة المعدلة لقانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي
    •  مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين
    •  مشروع قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية

فضلا عن ذلك أصدر المجلس مؤلفا تحت عنوان: التدابير الاستراتيجية للمجلس خلال حالة الطوارئ الصحية ” يوثق مجمل المقررات التي تم اتخاذها.كما قدمنا في لقاء تواصلي مثمر وثيقة متكاملة أمام اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد تتضمن تصورنا حول دور القضاء في التنمية الشاملة.

 وهي كلها مبادرات تعكس مواكبة هذه المؤسسة للتحولات الاستثنائية التي يعرفها العالم بسبب تداعيات هذا الوباء، وقدرتها على المساهمة الفعالة في إبداع حلول ومقاربات ستمكن بفضل الله من تجاوز كل هذه الإكراهات في أقرب الآجال وبأنجع التدابير.

سابعا: ورش تكريس الضمانات في تدبير المسارات المهنية للقضاة

لقد استطاع المجلس أن يعقد خلال السنة التي ودعناها (25) اجتماعا فضلا عن الساعات الطوال من العمل كمجموعات، أو داخل اللجان الدائمة أو الموضوعاتية، وذلك رغم كل الإكراهات التي نجمت عن تفشي الوباء، وذلك من أجل ضمان تدبير أمثل ومنصف للمسارات المهنية للقضاة.

 وهي مجهودات تلزمنا بتوجيه عبارات الشكر والتقدير لكل السيدات والسادة الأفاضل أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكل العاملين به من قضاة وأطر وموظفين مع شكر وتقدير خاص للسيد الأمين العام للمجلس والسيد المفتش العام للشؤون القضائية على كل ما بذلوه من جهود وتضحيات من أجل الرقي بعمل هذه المؤسسة وتجويده ليكون في مستوى التطلعات والإنتظارات.

 الحضــــور الكريـــــم؛

لقد كانت سنة 2020 محطة اختبار جديدة من أجل إبراز قدرة المجلس على تجاوز الإكراهات، والحفاظ على نفس النسق التصاعدي بكل نجاعة ودينامية، ومن ثمة فقد حرصنا بكل جدية وحزم على ضمان تكافؤ الفرص، والتزام قواعد الشفافية والحكامة وتدبير المسارات المهنية للقضاة بشكل عادل ومنصف من خلال تطبيق المعايير والإحتكام الى الكفاءة، وتكريس الأخلاقيات، وإعطاء الفرصة للجميع من أجل استرجاع الثقة، وفتح افاق جديدة للمبادرة والعطاء والتميز.

 وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بكل اعتزاز بالنتائج المتميزة التي تم تحقيقها في هذا المجال حيث قام المجلس بمقابلة (56) مرشحا ودراسة ملفاتهم ومشاريعهم من أجل تولي مناصب المسؤولية، فضلا عن تعييننا ل (123) نوابا للمسؤولين القضائيين قصد دعم عملهم المتشعب وخلق نواة لخلف مؤهل لتحمل المسؤولية في المستقبل.

      تدابير وإجراءات تمت وفق معايير محددة من أجل خلق دينامية جديدة للعمل بالمحاكم، والتعبير عن الإرادة الحقيقية الجادة في مواكبة ورش الإصلاح، وتفعيله من خلال وضع المسؤول المناسب في المنصب المناسب.

 وهنا لا بد أن أؤكد مجددا للسيدات والسادة المسؤولين القضائيين بمختلف محاكم المملكة، إن المسؤولية التزام، وأخلاق ومبادرة، فاجعلوا من محاكمكم نماذج متميزة للإدارة القضائية ومنارات للعدالة الناجزة.

      محاكم تصان فيها حرمة القضاء وهيبة العاملين بها، من خلال التزامكم بقيمكم الأخلاقية، وواجباتكم القانونية، محاكم لا مجال فيها إلا للتعاون الجاد، والجو المهني الأسري السليم والصحي بين كافة مكوناتها رئاسة ونيابة عامة، خدمة للصالح العام، وستجدون في المجلس الأعلى للسلطة القضائية كل الدعم والسند لمكافحة جميع مظاهر الفساد ومواجهة كل منافذ الإختلال والتسيب.

 السيدات والســـــادة الأفــــاضل؛

إن عنايتنا بمؤسسة المسؤول القضائي كقائد لفريق العمل بدائرته القضائية، يوازيه حرصنا على دعم المحاكم بجيل جديد من القضاة كله طموح ودينامية وإرادة من أجل أداء هذه الأمانة بكل جدية وتميز.

      وفي هذا الإطار قام المجلس سنة 2020 باقتراح تعيين 139 من القضاة الجدد المنتمين للفوج 43 بمختلف محاكم المملكة. بعد دراسة مستفيضة لملفاتهم وفق معايير واضحة ودقيقة.

      فوج ساهم قضاتنا في انتقائهم وتكوينهم وتدريبهم على امتداد سنتين وسنحرص على تتبع استقرارهم بدوائرهم وإيلائهم عناية خاصة تيسر اندماجهم في محيطهم السوسيو مهني الجديد.

       وهنا لا بد أن أؤكد لكل مكونات الجيل القضائي من شباب المغرب الجديد أن مغرب الغد يحتاج إلى القاضي بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات وحمولات، فاحرصوا على رمزية البذلة وقدسية القسم وحافظوا على القيم الأصيلة التي بناها جيل بعد جيل بكثير من التضحية والعطاء.  

الحضـــــور الكريـــــم؛

      حسن تدبير العمل القضائي بالمحاكم تطلب منا سنة 2020 اتخاذ (373) قرارا بتعيين القضاة للقيام بمهام التحقيق والأحداث، وتطبيق العقوبة والتوثيق وشؤون القاصرين وقضاء الأسرة، فضلا عن تعيين قاضيين عبريين و(10) قضاة بالمحكمة العسكرية، كما قمنا بدراسة دقيقة موضوعية ل (529) طلب انتقال، وهي أرقام هامة متميزة تعكس تفاعلنا الإيجابي مع أوضاع القضاة، وتحسين ظروف اشتغالهم، تعبر بالملموس عن حرصنا الكبير على سد كل المنافذ التي قد تؤثر على الأداء القضائي وفعاليته وجودته.

السيدات والســادة الأفـــــاضل؛

     إن كل قرار من هاته القرارات يختزل ساعات طويلة من التحليل والتفكير، وعددا من التدابير الإدارية والمعلوماتية المتكاملة من أجل المزاوجة بين مبدأ تكريس الضمانات الفردية للقضاة، وضمان السير السليم المنطقي لعمل المحاكم خدمة العدالة ببلادنا.

ثــــامنا: ورش التخليــق

إن الضمير المسؤول كما أكدت على ذلك التوجيهات الملكية السامية يبقى هو الركن الأساس في الإصلاح والمحك الحقيقي لتكريس الثقة، وقوام نجاح قطاع العدالة برمته.

 ضمير يجد مرجعيته في أخلاقيات قضائية أصيلة تعتبر الحصن القوي المتين الذي يمنع من الإنحراف، ويوجه إلى أداء الرسالة بكل شجاعة واستقلال ونزاهة وحياد.

ومن تمة فقد حرصنا منذ تنصيب المجلس على إيلاء عناية خاصة بهذا الورش الهام والشاق، وهو ما تطلب منا اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير، وعقد العديد من الإجتماعات واللقاءات بمقاربة تشاركية منفتحة ومنهج موضوعي، مما خولنا خلال سنة 2020 إتمام الصيغة النهائية لمدونة الأخلاقيات القضائية بمساهمة نخبة من القضاة والقامات القانونية والحقوقية من ذوي التجارب والخبرات الكبرى والتي سنقوم بتوزيعها ونشرها بعون الله خلال الأيام القريبة المقبلة.

 مدونة تمكن القضاة على اختلاف مراكزهم ومسؤولياتهم من معرفة أكبر بواجباتهم، وتفتح الباب للمرتفقين للإطلاع على معايير واضحة ومعروفة لأخلاقيات مهنة القضاء من أجل بناء الثقة، وتدعيم صورة الجهاز، وتحسين فعاليته ونجاعته.

 وفي هذا السياق، فقد وضعنا هذه السنة برنامجا متكاملا لعدد من اللقاءات والدورات التكوينية والتواصلية للتعريف بها ومواكبة تطبيقها بالشكل الأمثل، ولنا اليقين أن قضاتنا سيتفاعلون معها كما هو معهود فيهم بكل إيجابية والتزام ومسؤولية.

 السيدات والسادة الأفاضل؛

إنه رغم كل الإكراهات التي فرضتها حالة الطوارئ الصحية خلال سنة 2020 فقد عملت السلطة القضائية على تفعيل كل آليات الرقابة والتفتيش والتدقيق والتشخيص، وفي هذا السياق فقد تم القيام بما يلي:

 أولا: إنجاز 36 تفتيش مركزي و (74)تقريرا للتفتيش التسلسلي.

  وهنا لابد من التأكيد على السادة المسؤولين القضائيين بالدوائر الاستئنافية بضرورة إيلاء هذا التفتيش اللامركزي كل العناية والجدية، ومواكبة كل التفاصيل والجزئيات، وتتبع ورصد مختلف المؤشرات، وإعداد تقارير موضوعية تساعد المجلس في إنجاح هذا الورش الكبير.

ثانيا: دراسة ومعالجة (77) شكاية وإحالتها على الجهات المختصة.

 وهنا لا بد من التأكيد على أنه بقدر حرصنا على تكريس قواعد الشفافية ومبادئ المسؤولية والمحاسبة، فإننا بالمقابل لن نتساهل أمام الشكايات الكيدية التي تتم بسوء نية بغرض التأثير أو الضغط والتشويش.

كما عرفت سنة 2020 مثول(13) قاضيا في إطار مسطرة التأديب سهرنا على أن تمر ملفاتهم في إطار الضمانات الدستورية والقانونية التي تفعل قواعد المسؤولية والتأطير والتخليق والتوجيه والتقويم، حيث أصدر بشأنها عقوبات تأديبية توزعت بين العزل  والإنذار، وعدم  مؤاخذة 3 قضاة وتعميق البحث في حق  قاض واحد.

 اليوم، لا أحد فوق المحاسبة ولا مجال للإخلال بالثقة العامة وعزمنا أكيد على مواجهة كل الحالات التي قد تسيء إلى الصورة العامة للقضاء بقدر عزمنا على تشجيع كل الطاقات المبدعة والعلامات المضيئة التي تنير سماء العدالة ببلادنا.

تـــاسعا: التعاون الدولي والمساهمة في القضايا الوطنية

لا أحد يختلف حول أهمية التعريف بالرصيد الحقوقي والقانوني للمغرب، وتراثه التاريخي والحضاري، ومشروعه المستقبلي الحداثي، وذلك من خلال توطيد علاقات التعاون والشراكة مع بلدان ومؤسسات دولية، وهو ما دأب عليه المجلس خلال السنة الفارطة، حيث استقبلت مؤسسة الرئاسة عددا من الوزراء والسفراء ومسؤولي محاكم عليا، ووفود عن مؤسسات قضائية وحقوقية من مختلف قارات العالم، مع تركيزنا بطبيعة الحال على عمقنا الإفريقي والعربي، وجوارنا الأورومتوسطي.

        كما وقعنا على اتفاقيات تعاون، ومذكرات تفاهم، وشراكات مع محاكم عليا تنتمي لمدارس قانونية مختلفة مثل دولة الهند وجمهورية البرازيل.

وهنا لا بد من التذكير بأن جائحة كورونا حالت دون القيام بعدد من اللقاءات والزيارات التي كانت مبرمجة إلى عدد من الدول الرائدة مثل إندونيسيا والهند هذه الأخيرة التي ننسق معها من أجل بناء أرشيف إلكتروني وفق آخر المعايير الدولية.

 إضافة إلى كل ذلك فقد قمنا بتنظيم العديد من اللقاءات والمشاركة بمجموعة من المداخلات الهامة سواء بشكل مباشر أو عن بعد التي عكست التجربة القضائية المغربية والتحولات الإيجابية التي تعرفها بلادنا في العديد من اللقاءات الدولية والثنائية وكانت كلها مناسبات لاستلهام المقاربات وتطوير الخبرات وتوطيد العلاقات.

 فضلا عن استمرارنا خلال سنة 2020 في تنفيذ برامج الشراكة مع الإتحاد الأوروبي من خلال المجلس الأعلى البلجيكي الذي سبق أن وقعنا معه اتفاقية شراكة سنة 2019.

كما كانت سنة 2020 فرصة لتحضير مشاريع عدد من الاتفاقيات مع كل من محكمة النقض الإيطالية، والمحكمة العليا باليابان، والمحكمة العليا بالموزمبيق، والمحكمة العليا بالنمسا، إضافة إلى مشروع مذكرة تعاون ثلاثية الأطراف مع وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، ووكالة التنمية الرقمية، ومشروع مذكرة تعاون مع بريد المغرب، وكلها تدخل في سياق الأهداف الاستراتيجية للمجلس وعلى رأسها مشاريع التحديث والرقمنة.

 كما شهدت بداية سنة 2020 تنظيم حدث دولي كبير وهو اللقاء المغربي الاسباني السابع بمدينة مراكش والذي كان مناسبة للاحتفاء بمرور عشرون سنة على توقيع اتفاقية التعاون القضائي بين المجلس العام للسلطة القضائية الإسباني ومحكمة النقض المغربية.

لقاء تاريخي متميز شهد مشاركة نخبة من القضاة والمسؤولين الذين ناقشوا مواضيع مشتركة وأسفر عن مخرجات وتوصيات عملية ذات أهمية كبرى.

كل هذه اللقاءات والاستقبالات والأنشطة الدولية كانت فرصة للتعريف بعدالة القضية الوطنية، وأبعادها التاريخية والقضائية والحقوقية، ومناسبة لتقديم مؤلف وحدة المملكة من خلال القضاء الذي ساهم في إعداده ثلة من الخبراء القانونيين والقضاة والمفكرين والمختصين في التاريخ والثقافة والأدب.

 كما وصلنا اليوم إلى مراحل متقدمة في مشـــروع إنجــــــاز عمل فني هام، وهو شريط فيلم وثائقي وفق كافة المعاييــــــر التقنية الواجبـــــة تحت عنوان ” قضاة الصحراء”.

 عمل إبداعي توثيقي لحفظ الذاكرة وإحياء موروث وطني عريق متفرد يجسد تلاحم هذا الوطن ووحدته.

  وبموازاة مع ذلك نشتغل على ترجمة عدد من الوثائق القضائية التاريخية إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية لتكون موضوع خطة عمل تواصلية تعريفية ذات بعد وطني ودولي.

 وهي كلها مبادرات يقوم بها المجلس استجابة للخطاب الملكي السامي لسنة 2013 الذي أكد فيه جلالته على أن القضية الوطنية مسؤولية الجميع.

 السيدات والسادة الافاضل؛

 إن أي متتبع موضوعي لمسار عمل المجلس منذ تأسيسه سيقف بالملموس على أن هذا الورش يبقى على رأس أولوياتنا ومن أَوْكَدِ الواجبات التي نحملها على عاتقنا بكل جدية ومسؤولية.

 الحضـــــور الكريــــــم؛

تفاصيل كثيرة لا يسمح الحيز الزمني بعرضها وتحليلها، لكن ما بسطناه باقتضاب يؤشر على إرادة جادة من أجل البناء في العمق وتجاوز كل الاكراهات بإيجابية ومبادرة ووطنية.

 إن شرف البناء والتأسيس يلزمنا بكثير من التضحية ويفرض علينا الصبر من أجل تأقلم الجميع مع المتغيرات ومساهمتهم بإيجابية ومسؤولية في هذا المشروع المجتمعي الكبير.

 نحن اليوم في موعد مع التاريخ لن نخلفه، وأيدينا ستكون دائما ممدودة لكل المقترحات الجادة، وأبوابنا مفتوحة لكل الآراء والانتقادات والملاحظات دون إساءة أو تطاول أو تدخل غير مقبول.

  الحضــــور الكريــــــم؛

قضاة الحكم العاملين بمختلف الدوائر الإستئنافية البالغ عددهم (2839) من مجموع (4299)، أصدروا سنة 2020 (2610331) حكما، بمتوسط محكوم وصل بالنسبة لكل قاض إلى (919) حكما. وهو رقم هام ومتميز بالنظر إلى توقف المحاكم لمدة وصلت إلى أربعة أشهر تقريبا واستمرار تفشي الوباء وتدابير الحجر الصحي.

 أما على مستوى محكمة النقض، فقد استطاعنا تحقيق نتائج متميزة رغم كل هذه الإكراهات حيث سجلنا سنة 2020 (31448) قضية وبلغ عدد المحكوم (40561) أي بزيادة قدرها (9113) قضية.

وذلك رغم النزيف الذي تعرفه محكمة النقض بمغادرة عدد هام من قضاتها بسبب التقاعد، ودخول جيل جديد من القضاة لرحابها الذين يجب أن يمنح لهم الوقت الكافي للاندماج في دينامية عمل وصنعة قضاء النقض.

والأكيد أنه رغم وجود انخفاض في عدد المسجل والمحكوم خلال سنة 2020 مقارنة بالسنة الماضية إلا أن ذلك يبقى عاديا في ظل الظروف الاستثنائية التي تعرفها العدالة عبر العالم والتي حكمت عليها بالتوقف خلال فترة هامة من السنة.

 ورغم كل هذا، فقد استطعنا أيضا تفعيل الحق الدستوري المتعلق بالتقاضي داخل أجل معقول حيث وصلنا إلى نسبة 70 % من القضايا يتم البت فيها داخل أجل أقل من سنة.

وهي أرقام في مجموعها لا تحتاج إلى دليل لكن في تفاصيلها وجزئياتها تبرز حجم الجهود والتضحيات التي بدلها قضاة المملكة بكل مسؤولية ووطنية.

الحضــــور الكريـــــم؛

لا شك أن المتتبع للعمل القضائي سيرصد بكل وضوح الحمولة الحقوقية التي نحاول بلورتها وتجسيدها من خلال قرارات مبدئية تكرس الحماية القضائية للحقوق والحريات، وتجسد الانخراط الحقيقي للقضاة في مسيرة الإصلاح بمقاربة واقعية مقاصدية تستهدف تحقيق الأمن القانوني والقضائي.                                                                                

قرارات مبدئية هامة لا يسمح الحيز الزمني الضيق باستعراضها انصبت على مواضيع واشكالات آنية هامة مرتبطة بضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع وحماية المال العام وتخليق الحياة العامة وضبط عمل المؤسسات والإدارات العمومية وترسيخ حكامتها وحماية الحق في الصحة والتعليم وضمان الأمن الأسري وحماية المصلحة الفضلى للطفل

 وتكريس الأمن التعاقدي والتجاري والعقاري وإيجاد التوازن في علاقات الشغل وقضايا التأمين وضبط مفاهيم هامة كحماية المستهلك وملك الدولة.

وهي قرارات ستكون محل إصدار خاص سيوضع رهن إشارة العموم والباحثين والمهنيين تكريسا للحق في المعلومة لتكون موضوع دراسة وتحليل وأذكر منها:

  ما ذهبت إليه محكمة النقض تكريسا لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية حيث نقضت قرارا لمحكمة الموضوع التي بتت في حضانة الطفل دون الأخذ بعين الاعتبار مقتضيات اتفاقية لاهاي المتعلقة بالمظاهر المدنية للاختطاف الدولي للأطفال.

وحفظا للسلامة والصحة في العمل

 اعتبرت محكمة النقض أن مغادرة الأجيرة منصب عملها الأول الذي يتطلب العمل فيه استعمال مواد كيماوية تسبب لها في حساسية جراء استنشاقها وأوصى الطبيب بنقلها، لا تعتبر مغادرة تلقائية، وإنما فصلا تعسفيا وإخلالا من جانب الطالبة باعتبارها مشغلة بالتزامها الحفاظ على سلامة وصحة أجراءها وهو ما يعتبر خرقا للاتفاقيات الدولية وخاصة الاتفاقية رقم 187 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة في العمل.

وتفعيلا للاتفاقيات الثنائية وإعمالا لمبدأ المعاملة بالمثل

اعتبرت محكمة النقض أن عدم التأشير على عقد الأجير الأجنبي الفرنسي الجنسية المبرم لعدة سنوات يجعل منه عقدا غير محدد المدة.

وفي نفس السياق، وتطبيقا لمضامين اتفاقية جنيف المصادق عليها من طرف المغرب بشأن السير على الطرق، نقضت محكمة النقض قرار محكمة الموضوع الذي ألغى رخصة سياقة متهم مؤكدة على أن هذه الاتفاقية وإن كانت تعطي الحق في سحب رخصة السياقة الوطنية أو الأجنبية فإنها لا تسمح بإلغائها.

ولأن القوة القاهرة أصبحت من أكثر المفاهيم القانونية تداولا ونقاشا في ظل جائحة فيروس كورونا، فقد أكدت محكمة النقض أن واقعة المرض التي أصابت المستأنف وإن كانت ثابتة، فإنها لا تعتبر إلا ظرفا مؤقتا يخوله الاستفادة من الإعفاء أو التخفيض من غرامات التأخير، ولا يشكل قوة قاهرة يستحيل معها تنفيذ العقد استحالة مطلقة لانتفاء عنصر استحالة دفع الحادث، سيما أن المستأنف كان بإمكانه الاستعانة بشخص آخر لتنفيذ العقد.

وحماية للحق في الصحة وضمان العلاج، قضت محكمة النقض بأحقية المواطن المغربي في استرجاع مصاريف العلاج وإن تمت خارج الوطن شريطة أن يتم ذلك في نطاق الحدود المقررة في القانون وعلى أساس التسعيرة المرجعية الجاري بها العمل بالمغرب.

وحماية للحق في التعليم، أكدت محكمة النقض أن عدم تنفيذ مدير الأكاديمية لمقرر قضائي نهائي بتسليم شهادة الباكالوريا يرتب مسؤوليتها عن الأضرار اللاحقة بالمستأنف عليه من جراء ذلك.

وتوضيحا منها لطبيعة وآثار توصيات مؤسسة وسيط المملكة، ذهبت محكمة النقض إلى أنها ذات طابع اقتراحي وأن صبغة الإلزام لا تكون إلا للقانون والأحكام الصادرة في إطاره.

وتكريسا للحق في الدفاع، اعتبرت محكمة النقض أن عدم استدعاء الطاعن بصفة قانونية لجلسة المجلس التأديبي وتمكينه من إعداد دفاعه داخل أجل معقول بما يكفل له مناقشة الأفعال المنسوبة إليه وإبداء ملاحظاته بشأنها يشكل خرقا للضمانات التأديبية المكفولة له.

وضمانا لقواعد المحاكمة العادلة في مجال الإثبات فقد اعتبرت محكمة النقض عملية التجسس على الرسائل الإلكترونية لباقي المستخدمين، وتزوير تطبيق معلوماتي لمعرفة كلمة السر، تندرج ضمن الجرائم الإلكترونية التي يتعين لإثباتها إجراء خبرة تقنية وفنية تسند لذوي الاختصاص وليس الاكتفاء بمجرد إجراء بحث لإثباتها، فقد أكدت محكمة النقض على ضرورة التقيد بقراراتها في النقطة القانونية التي بتت فيها وعدم المساس بها قطعا للنزاع ومنعا لتجدد الخصومة وإطالة أمدها.

وضبطا منها لسلامة إجراءات المحاكمة الجنائية، اعتبرت محكمة النقض أن المدة الزمنية الفاصلة بين وقت إيقاف من كان موضوع مذكرة بحث إلى حين تسليمه للجهة الأمنية الطالبة له، لا تطاله المقتضيات القانونية المنظمة لتدبير الوضع تحت الحراسة النظرية اعتبارا للاختلاف البنيوي بينهما سواء من حيث الأساس أو الطبيعة.

وحرصا منها على جودة صياغة الأحكام وملائمتها مع الضوابط القانونية الواجبة، قضت محكمة النقض بأن المحكمة الموضوع ملزمة عندما تصدر حكمها بالإدانة أن تصرح بالعقوبة بشكل محدد ونقضت القرار الذي حدد العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها (فيما قضاه) المتهم بالحبس.

ولضمان انسجام النصوص القانونية وتماسكها أكدت محكمة النقض أن نفقة الأبناء تجب على والدهم عملا بالمادة 198 من مدونة الاسرة والمحال عليها بمقتضى المادة 4 من ظهير 02/10/1984 باعتبارها تمثل قانون الأحوال الشخصية للهالكة وأن نفقة الأم لا تجب إلا في حدود ما عجز عنه الأب كليا أو جزئيا عملا بالمادة 199 من نفس المدونة شريطة أن تكون الأم موسرة والمحكمة لما قضت للمطلوبين بالتعويض عن فقد موارد عيشهم وبالرغم من عدم ثبوت عجز والدهم عن الإنفاق لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون وعرضت قرارها للنقض.

وحرصا منها على ضمان تطبيق القانون الأصلح للمتهم، نقضت محكمة النقض قرار لمحكمة الموضوع التي أدانت المتهم بعقوبتين لم تكونا مدرجتين إلا بمقتضى قانون لاحق على تاريخ الحادثة المنسوبة إليه.

وعملا لمبدأ عدم سريان أحكام القاعدة القانونية على وقائع سابقة اعتبرت محكمة النقض أن المادة السابعة من مدونة السير على الطرق كما وقع تعديلها، اعتبرت أن الضمان قائم في النازلة طالما  الدراجة ثلاثية العجلات بمحرك وكذا الدراجة ثلاثية العجلات خفيفة بمحرك تعتبر من بين المركبات التي تستوجب قيادتها توفر سائقها على رخصة سياقة صالحة ومسلمة طبقا للمادة الأولى من نفس القانون، وأن دخول هذا التعديل الذي عرفته المادة حيز التنفيذ فيما يتعلق بهذا النوع من المركبات رهين بتحديد الكيفيات والآجال التي تحددها الإدارة وهو الأمر الذي لم يكن قد تحقق وقت وقوع الحادثة.

وبالنظر إلى الأهمية البالغة للعقوبة ودورها المحوري في المحافظة على النظام العام، اعتبرت محكمة النقض أن التصريح بعدم قبول المتابعة يعتبر جزاء قانونيا لا يقضى به إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما أيدت الحكم الابتدائي القاضي بعدم قبول المتابعة دون أن تبرز سندها في ذلك قد عرضت قرارها للنقض.

وفي سياق تكريس دور القضاء في تخليق الحياة العامة، اعتبرت محكمة النقض أن ثبوت تسلم الطاعن بالنقض أوراقا نقدية من المخالفين الذين تم توقيفهم، أصبح منفصلا عن واجباته المهنية ووضعه ينطوي على تهديد محقق للأمن العام بشكل لا يستقيم وإمكانية الاستمرار في مزاولة مهام رجال السلطة، فكانت الإدارة محقة في عرضه على المجلس التأديبي واتخاذ عقوبة العزل أمام خطورة تلك الأفعال، ولا يمكن مواجهتها بإحالته على القضاء الزجري وانتظار كلمته مادامت تلك الأفعال ثابتة ووصفها كمخالفات تأديبية كان سليما.

وتكريسا لمبدأ المشروعية وخضوع الأعمال والتصرفات الصادرة عن الإدارة للقانون، أكدت محكمة النقض أن القضاء لا يضفي المشروعية على أي تصرف تم اتخاذه خارج الضوابط القانونية حينما اعتبرت أن عدم ثبوت علاقة وظيفية بين المطلوبة في النقض والإدارة، وأن تواجدها بالإدارة تم بشكل غير قانوني ونتج عن عملية تزوير يقتضي مطالبة المعنية بالأمر بإرجاع المبالغ التي تسلمتها حفاظا على المال العام.

وضبطا لمسطرة التأديب بالوظيفة العمومية، اعتبرت محكمة النقض أن مجرد إجراء توقيف موظف مؤقتا عن العمل في انتظار عرض حالته على المجلس التأديبي وإن كان لا يعتبر عقوبة بمفهوم الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية حتى يمكن الطعن فيه بالإلغاء ولا تتوفر فيه مقومات القرار الإداري لعدم تأثيره على المراكز القانونية ولعدم اتسامه بصفة النفاذ، غير أن هذا التفسير لا يجعله بمنأى عن الطعن فيه في حالة خروجه عن المقتضيات التشريعية المتعلقة به، وأن إمكانية الطعن فيه مستمدة من طبيعته كقرار إداري.

وتكريسا للحقوق المالية للمتقاعد، اعتبرت محكمة النقض أن المعاش يأخذ حكم الأجرة أو الكسب المهني بدليل المادة السادسة من ظهير 2/10/1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السيرالتي لم تنف صراحة عن دخل المتقاعد صفة الاجرة أو الكسب المهني، قضت محكمة النقض بتأييد القرار القاضي بعزل رئيس الجماعة بعد قيامه بعقد مصالح خاصة لفائدته بصفته رئيسا للجماعة.

وحماية لأملاك الدولة، فإن محكمة النقض اعتبرت ان كل عقار يوجد في طور التحديد الإداري توجد بشأنه قرينة على أنه ملك من أملاك الدولة ولا يمكن دحض هذه القرينة إلا بحجة أقوى.

وصونا لحرمة العلاقات الأسرية وقدسيتها، اعتبرت محكمة النقض أن ممارسة العلاقات الجنسية عبر وسائل التواصل الفوري خيانة للرابطة الزوجية المبنية على الوفاء بين الزوجين.

وحماية للحقوق المالية للأولاد وفي مقاربة قضائية ذات بعد اجتماعي، اعتبرت محكمة النقض أن تكاليف سكن البنت يستمر الأب في أدائها ولو بلغت سن الرشد، ولا تسقط عنها إلا بتوفرها على الكسب، أو بوجوب نفقتها على زوجها.

وفي مجال حماية الحق في الملكية الصناعية، فقد اعتبرت محكمة النقضأن القوانين المنظمة لحماية الملكية الصناعية لم تشترط توافر عنصري الجدة والابتكار في علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة حتى تكون مشمولة بالحماية بل كل ما نصت عليه هو ضرورة أن تكون مميزة كمنتجات أو خدمات. 

وفي نفس السياق وبنفس المقاربة الحمائية للعلامة التجارية، ذهبت محكمة النقض إلى أن استنساخ أهم عنصر في العلامة التجارية واستعماله كاف لترتيب المسؤولية عن تقليد وتزييف المنتوج.

وضبطا للإجراءات المسطرية في مساطر صعوبة المقاولة التي تعتبر من أهم المواضيع الآنية بسبب تأثيرات الجائحة على المقاولات، حصرت محكمة النقض تمثيل الشركة الخاضعة للتصفية القضائية في الدعاوى التي تقيمها أو تقام ضدها في السنديك وحده دون ممثلها القانوني النظامي.

وتدقيقا لصفة ومفهوم المستهلك، أكدت محكمة النقض أن المقصود به هو كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي مستبعدة بذلك ما تم اقتناؤه تلبية لحاجة مهنية.  

وحفاظا على الضمانات المخولة لمندوب الأجراء، اعتبرت محكمة النقض أن المشغلة ملزمة بأخذ موافقة مفتش الشغل على كل إجراء تأديبي تعتزم اتخاذه في مواجهة مندوب الإجراء وليس فقط مراسلته.

وفي إطار التمييز بين الحق في ممارسة الحريات العامة وبين واجب الانضباط لشروط العمل، فقد أيدت محكمة النقض قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت مغادرة الأجيرة لعملها بعدما تم منعها من الدخول بسبب ارتدائها سترة للوجه داخل المؤسسة مما يحول دون التحقق من هويتها ويخالف النظام الداخلي، مغادرة تلقائية وليس فيه أي تمييز أو خرق لحق دستوري.

وفي نفس السياق وتكريسا لتوجهها الحمائي لفائدة الأجراء الأجانب، ذهبت محكمة النقض الى إلزام المشغل بالقيام بطلب التأشير على عقد تشغيل الأجانب لدى الجهات المختصة، ورتبت الآثار القانونية عن الإخلال بهذا المقتضى.

وصونا لخصوصية مساطر حل نزاعات الشغل الجماعية، أكدت محكمة النقض على ضرورة استكمال كافة مراحل المسطرة المقررة قانونا قبل اللجوء الى القضاء لما كان النزاع يهم مجموعة من العمال وتم عرضه على مفتش الشغل، ثم على اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة في إطار نزاعات الشغل الجماعية، ولا يسوغ البت فيه قبل سلوك المسطرة الواجبة قانونا.

وتأكيدا على أهمية الوسائل البديلة لحل المنازعات الشغلية،أجازت محكمة النقض إمكانية اللجوء إلى التحكيم بعد انتهاء العلاقة الشغلية، على اعتبار أن ذلك لا يعد خرقا لمقتضيات النظام العام.

وضبطا لقواعد المسؤولية والضمان في مجال التأمين بخصوص المغاربة القاطنين بالخارج، اعتبر قضاة محكمة النقض أن توفر السائق على رخصة سياقة أجنبية دون الوطنية، تتحقق به قرينة الدراية بالسياقة، ولا أثر له على قيام الضمان.

وفي نفس السياق أكدت محكمة النقض أن عدم استبدال رخصة السياقة الأجنبية داخل الأجل لا يعدو أن يكون مخالفة لقانون السير ولا تأثير له على قيام الضمان.

الحضـــــور الكريــــــم؛

تلكم بعض نماذج لاجتهادات محكمة النقض التي تكرس بشكل ملموس المقاربة الحقوقية والرؤية المقاصدية لقاضياتنا الفضليات، وقضاتنا الأفاضل، المعتمدة على قواعد التفسير، وروح الإبتكار في صناعة قضائية متجددة، مهيأة لتتبع المستجدات اللامتناهية، وقادرة على مواكبة التطورات المتسارعة، واستيعاب المتغيرات، والإلمام بأسبابها وتقدير نتائجها.

وقد دأبت محكمة النقض على نشر المنتقى من هذه القرارات المبدئية خلال سنة 2020، بمعدل يتجاوز إصدارا واحدا في الشهر رغم كل الاكراهات، مساهمة منا في إغناء الخزانة القانونية، ورصد وتوثيق أهم الاجتهادات التي تبقى مصدرا أساسيا للمشرع والاكاديمي والمهني من أجل استلهام حلول ومقاربات عملية خاصة أنها قرارات صادرة عن نخبة من قضاة المملكة.

لقد نالت محكمة النقض مكانتها الإعتبارية بفضل مجهودات بذلت على امتداد حوالي 64 سنة من التضحية والعطاء، والقدرة على التأقلم، والتطور، ومواكبة كل المتغيرات.

 وبهذه المناسبة، ومن باب الاعتراف بالجميل، لا يفوتني أن أتوجه بتحية عرفان وامتنان، لقضاتنا الرواد بما أسدوه من أعمال جليلة، وما تركوه من أحكام قضائية تعد مرجعا وتراثا قضائيا إنسانيا، ونبراسا للأجيال الحاضرة والمستقبلية، ومرجعا هاديا للفقهاء والباحثين.

 كما عبر فريق عمل محكمة النقض سنة 2020 كعادتهم من قضاة وموظفين وأطر وإداريين وتقنيين وأعوان عن روح مسؤولية كبيرة ومواطنة وإخلاص، لا نملك أمامها إلا أن نعبر لهم عن عظيم الشكر والامتنان، داعين الجميع إلى مواصلة الرسالة بنفس روح العزيمة والإصرار راجيا من العلي القدير أن يلهمنا سبل الرشاد ويوفقنا لما فيه خير هذا الوطن ونكون في مستوى ثقة المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس دام له العز والتمكين.

 كما أتوجه للعلي القدير بخالص الدعاء أن يتغمد بواسع مغفرته ورحمته كل من فقدتهم أسرة العدالة، وأن يدخلهم فسيح جناته، ويرزق أهليهم وذويهم جميل الصبر والسلوان.

 لقد غادرونا الى دار البقاء، لكنهم سيبقى ما تركوه من جليل الأعمال راسخا في قلوبنا، حيا في ضمائرنا، وأمانة في أعناقنا نتعهدها بمواصلة العطاء والسير على نفس درب التضحية ونكران الذات.

يقول العزيز الحكيم في محكم كتابه: 

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَاحَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


اترك تعليقاً