كلمة الدكتورة لويزا بولبرس خلال الجلسة الإفتتاحية للدورة 6 لخيمة الفكر والإبداع التي نظمتها جمعية فاس سايس

كلمة الدكتورة لويزا بولبرس خلال الجلسة الإفتتاحية للدورة 6 لخيمة الفكر والإبداع التي نظمتها جمعية فاس سايس

بسم الله والصلاة على رسول الله وعلى آله ومن والاه
صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن خالد الفيصل
معالي الوزير الأستاذ الدكتور خالد الصمدي
أصحاب المعالي
أصحاب السعادة والسيادة والقيادة
ضيوف الخيمة الأعزاء
أيها الحضور الكريم
سعيدة بتشريفي من طرف جمعية فاس سايس بإقتراحي منسقة لأشغال الدورة السادسة لخيمة الفكر والإبداع في موضوع :
” أسئلة الشعر والشعراء”
وأسعد بتفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمنح شرف رعايته لهذه الدورة، تحفيزا من جلالته على مواصلة النهوض بالشأن الثقافي عامة، وتعبيرا منه على مايوليه للفن خاصة، من سابغ العطف، وكريم الحدب، وواسع الرضا، وكبير الاعتبار.
 وإنه لمن يُمْنِ الطالع أن تنتصب خيمتنا اليوم، بعد أن مُدَّت لها الاسباب، ورفع العماد، لتحضن صفوة من خيرة الأدباء والعلماء والمفكرين والسياسيين، وتقف شبيهة بهرم في بطحاء فاس، في جو ربيعي حالم..
  أيها الحضور الكريم
          كان موضوع الدورة الخامسة التي انعقدت بعيون الساقية الحمراء هو :
“الشعر العربي الشعبي : الدلالات الثقافية والأبعاد الجمالية “
ولقد فتح ذلك الموضوع سبلا للحوار، وآفاقا للنقاش، كانت وراء التفكير في طرح  “أسئلة الشعر والشعراء، بحكم ما آل إليه وضع الشعر والشعراء في النسيج الثقافي الراهن. 
 لقد صار الشعر يجلس في الصفوف الخلفية من المشهد الثقافي العربي، وصار الشاعر يصمت أمام الهزات الكبرى، ويكتفي بتوثيق لحظات عنفه الداخلي..
 لقد اختنق – أو كاد – الشاعر الرئي الذي يحدس الأفق الفسيح ليكشف عن صميمية الإنسان الغنية بالاحتمال، والواعدة بالإمكان، واحتمى معه الشاعر النجم الذي يحمل وزر مواجهة الدمى اليومية المصنوعة للإلهاء، لأنه -تاريخيا- كان أول من يُقَاوم، وآخر من يُهْزَم.
 إن أسئلة الشعر والشعراء لم تكن يوما محسومة، ستظل عالقة لارتباطها بأسئلة الكتابة عموما، باعتبارها تضم ممكنات تعبيرية كثيرة صارت تسحب منه صلاحياته، وتسيطر على مناطق نفوذه، وتستولي على وسائله التي كانت تمكنه من التواصل المنتظم بالجمهور.
   ولقد سبب مثل هذا الوضع في تداول أسئلة صعبة، لم تكن تطرح بهذه الحدة من قبل، من مثل :
– ما هوية الشعر؟ ما هو مبدأ الالتزام؟ وما المراد بالالتزام إن كان ذلك ضرورة؟
– ما معنى اكتفاء الشعر بذاته، وانشغاله بوضعه الداخلي المغلق؟
– هل صار الشعر يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب انهزام الخيال أمام العقل العملي أو الأداتي؟؟
– لماذا رضي الكثير من الشعراء بالتسكع على القارعات الهامشية، أو التأرجح على خيوط الشبكات العنكبوتية في كل ركن بارد، فاقد للحركة التاريخية، في مرحلة تنوء بالهشاشة؟      
– لماذا قبل الشعر في العالم العربي الإسلامي أن يخسر الواقع ليربح ذاته فحسب، فقفز في حركة نرجسية ليسقط على نفسه، مع أن الماء آسن، والوجع التاريخي صعب؟.
– كيف يستطيع الشاعر الحقيقي وسط الضجيج أن يستخلص نبرته الخاصة من بين كثير من الأصوات المبحوحة؟
– كيف يصارع الشاعر ثقل الجاذبية فيمتد جدعه في السموق، مع أن الاكراهات تظل تلتف به كالعليق واللبلاب؟
– أليس الشاعر مخالفا وتصادميا بالأصل؟
– لماذا حمد أواره في متخيله الرمزي الذي من المفروض أن يتنفس فيه بقدر ما تسمح الرئتان، وبقدر ما يعمر القلب من أمل؟؟.
  إن الشعر ضرورة يومية، إنه تأسيس للحلم، تجميل للحياة، تواق إلى بناء الإنسان، تسجيل لإيقاع العصر، محرر من إسار الأنانية، منقذ من اليبس والجفاف والشاعر مهذب للحواس، صاعد مع الأنفاس فارق لأستار المظاهر، مدرك لسر الحياة، مبصر للقبس الذي يخترق خصاص الحنايا، لتنهض مهما اثاقلت بظلمة الأعراض، راض بالسكن في البيت الشعري، أو المقطع الحاد على كرسي قلق من قافية وفي نفسه ألف حسرة على ماض قد انتهى، ومستقبل لم يبدأ.
 أيها الحضور الكريم
   إن من مهام الشعر الحقيقية أن يحول المسلمات إلى مساءلات، ويمزق الحجب التي تسد منافذ القول، لذلك فإن اقتراح الخيمة لهذا الموضوع كان بقصد طرح مزيد من الأسئلة، وتعميقها بالقدر الذي يوسع من هامش حضوره عسى أن يساهم في إنقاذنا من التشيؤ في خضم الوجود اليومي، والخضوع لرتابة الزمن المليء بالشقوق.
  ولعل في الأشعار التي سترهف إحساسنا، وفي الأبحاث التي ستنير عقولنا، وميضا سيمتد شعاعه إلى خارج الإسار والأسوار.
  ولقد تهيأ لنا أن نقبس ضياءً في عتمة التحضير منحنا الثقة، وغرس في نفوسنا العزيمة، فكان أن ميزنا هذه الخيمة لأول مرة باختيار شخصية العام من المثقفين الذين دافعوا عن القيم المشرقة للإنسانية، ووضع المشاريع الثقافية المدشنة لسبل التواصل الفكري، وانتصروا للحقيقة العالقة بين عمق الانحدار وسماء الطالع.
 وقد وقع الإجماع في جمعية فاس سايس على صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أديبا ومفكرا وسياسيا.
الأمير خالد الفيصل من الأخيار، وتكريم الأخيار في ذكر ما يخلفون من آثار..
نكبر فيه رضاه بإكراهات الكتابة والرسم، إلى جانب اشتراطات الشأن السياسي، وتدبير الشأن العام.
ونذكر له تحمله باقتدار للدور الوظيفي وللماهية النوعية اللذين يمكن أن يعكسهما المثقف السياسي أو السياسي المثقف الذي يشغله المصير العربي المثخن بالجروح والأمل في الوحدة المرجأة كل يوم
  إن كلمتي المختصرة – وإن طالت – لن تقرب مساره الحافل بالمهنية والفنية، وإن شهادتي فيه لقاصرة عن إيفائه حقه من التقدير الاعتبار.
  لقد عرف طبقة صوته في زحمة مسؤولياته، فأدى مخلصا واجب الفنان الملتزم، والسياسي المسؤول، ولم يضع حاجزا لما من شأنه التجاوز في خطه وتخطيه، وفي طاروقه وطريقه.
الأمير خالد الفيصل نقطة ارتكاز في جغرافية المنطقة السياسية، وتاريخ المنطقة الإبداعي والفني.
لم ير في كل ما يلمع ذهبا، فعاش الغبطة المفقودة والفرح المجروح، لكنه أمعن في السير، لأنه يعرف القصد أنى ذهب وفي ركوته ما يكفي من الماء مهما تتسرب.
 حين تقرؤه في شعره، أو تشاهده في لوحاته، لا تستطيع أن تستمر على الحياد الذي يوجبه الوصف الموضوعي، إنه في فنه مرآة مجلوة تنبلج فيه صورته الذاتية بغير إطارها الاجتماعي، أو وضعها الاعتباري..من ثم أتت جذوع فنه بفروع كثيرة من الدلالات، لأنه يمتح من معين بعيد الغور، لا يعرف إلا هو مداه ليجعل قراءته وردا يلزم كل يوم، جعل من الصحراء وعاءً تتخلق في رحمه الصور، ومن الخيل رمزا للتوثب في زمن الخيبات المتربصة.
وصفات مثل هذه، وأدوار مثل تلك قوبلت في كل محفل بتقدير، وعوملت في كل منبر بإكبار، وخيمتنا السادسة هذه، وقد تشرفت برعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تكون في هذا الركن الغربي من العالم العربي، باختيارها الأمير خالد الفيصل شخصية العام الفكرية، قد ساهمت في ترسيخ فضيلة الاعتراف باعتبارنا أمة كانت تعرف لعلمائها حقهم، ولنوابغها قدرهم، فأنزلتهم بالمحل اللائق بهم، باعتبارهم رموزا ومنارات. 
 كما أرى لزاما علي أيضا من باب الإشادة بالفضل، ومن باب الواجب الذي تقتضيه شيمة الوفاء، أن أذكر في هذا الموقف من كان لهم الأثر البالغ في تعهد الخيمة منذ أن دقت أوتادها الأولى أو ان كانت في حاجة إلى الدعم أكثر.
 
وابدأ بذكر من يفضل دائما في مثل هذه المنابر ألا أذكره، أقصد الأستاذ الدكتور عبد الحق المريني مؤرخ المملكة، والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، ومدير الخزانة العلوية ..الكبير في شأنه وعمله، صاحب القلب الطيب والنفس الأبية.
 لقد أصبحت هذه الخيمة بفضله أشد ارتفاعا، وأكثر رحابة بعد أن أفسح لها المجال منذ البدء بدافع الهاجس الثقافي الذي يسكنه، والمصلحة الوطنية العليا التي تحذوه.
لقد عمل على إبراز الذات الوطنية الموشومة بالتاريخ والحضارة، والهوية المغربية المدعومة بالقيم والمبادئ، فخلف آثارا مضمخة بالأصالة، وجسد صورة المغرب باعتباره مدرسة للمبادرة النشيطة، والتفاعل المنتج، والحوار الحضاري البناء.
 كما أود أن لا تفوتني الفرصة لأنوه بما تركه في هذه الخيمة مثقفو سلطنة عمان الشقيقة، وعلى رأسهم معالي السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي، المسؤول الحكومي، والمثقف الأكاديمي، والدبلوماسي المحنك، والخبير التربوي..
سابق له صيته العلمي أنى يمم، سواء أعرق أو أشأم، وباشر مشاريع علمية مفيدة، وأدار مجالس أدبية فريدة..وأشرف وأبدع وألف، وناقش وجادل وأنصح.. كشف عن المخزون الحضاري لعمان، وجعل محور اهتمامه الإنسان.
ولم ينصح بالتعمين المشرع الشكلي، سالكا سبل التدرج الواقعي والأهلي..
 نافورة القرويين ، حفظت له “عين ” أحمد ..فجعلها إنسان عينه الأحدَّ والأحد..
شكرا له من مخلص كريمٍ المحتد أمجد..
 
كما أرى عنقي مطوقا بأفضال يأبى صاحبها أن لا أذكرها…
الأستاذ الدكتور سيف بن راشد الجابري الذي ما فتيء من الإمارات يخص الخيمة بأمارات تعكس مدى التجاوب مع كل مشروع فكري هادف، يستثمر المحصول المعرفي الوافر لبناء حاضر الأمة العربية، وهو مانذر نفسه له فيما ألف من ابحاث ومؤلفات تشهد على شموليته في الإحاطة، وحصافته في التمييز، وبراعته في الاستنتاج.
 
أما صحبي من أهل الدار، فذلكم شان آخر تعجز أن توشحه قلائد التعبير، ومع ذلك فإني اعتذر إن قصرت، لأن لساني يعجز أحيانا عن شكر من لهم به فرص لقاء يومي مباشر، من باب الألفة والتعود..
اشكر في البداية معالي الوزير الأستاذ الدكتور خالد الصمدي كاتب الدولة مكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، معالي الوزير  حامل لِهَمِّ تشخيص الوضعية الحالية لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، ذو رؤية تأهيلية ونقدية، وبعد استشرافي، ومستقبل من أجل إسهام رشيد وذاتي للمنظومة التربوية، مساهم في إرساء أسس الرؤية الإستراتيجية للإصلاح، تعزيزا للتنمية البشرية والتماسك الإجتماعي، حريص على التواصل الفعال مع مختلف مكونات القطاع، ومنفتح ميدانيا على المؤسسات الجامعية، فله الشكر الجزيل على حضوره ومشاركته في هذا الحفل.
كما أشكر والي صاحب الجلالة على جهة فاس مكناس والي جهة فاس مكناس، على كبير العنايةووافر الإهتمام اللذين خص بهما هذه الندوة، حيث واكب حيثيات التحضير لها منذ أن كانت فكرة، حتى صارت واقعا، بالتوجيه والنصح، والدعم المادي والمعنوي.
 كما أتقدم بوافر الشكر وعظيم العرفان للسيد رئيس المجلس الجماعي لمدينة فاس، الأستاذ الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي الذي يدير شؤون المدينة برؤية شمولية متكاملة، جعلها في قلب المشروع التنموي في بعديه المحلي والجهوي، مستثمرا إمكانياتها الخاصة، من أجل إنعاش أكثر من مرفق، وتحفيز أكثر من قطاع، وخاصة القطاع الثقافي، شكرا لكم على ما أبنتم عنه من مستوى تطوعي رفيع، ونبل أخلاقي جم في دعمكم المادي والمعنوي لهذه الدورة.
وللأستاذ الدكتور امال جلال رئيس جامعة القرويين،
وبنفس القدر من الشكر والتقدير لجمعية فاس سايس في شخص :
رئيسها الوطني الدكتور إدريس العلوي المدغري.
ورئيسها المحلي السيد حسن سليغوة.
والكاتب العام الوطني الدكتور عمر المراكشي.
وجميع الفاعلين في الجمعية عل جهدهم المضني وعطائهم المستمر من أجل بناء هذا الصرح الشامخ والمتعلق.
أما الضيوف المشاركون من داخل المغرب وخارجه فهم العماد الذي تسند إليه الخيمة ، ولولاهم لما تحقق لها هذا النضج وذاك الإشعاع..
أسماء وازنة لها في المنجز النقدي والإبداعي حضور وأثر، منهم سفراء ووزراء سابقين واكاديميون من النقاد والشعراء من مختلف بلدان العالم ..لقد سعدنا بحضورهم البهي وسنحظى بشرف الاستماع إليهم في لمحاتهم وإشاراتهم..
ولئن ذكرت بالاسم بعض من ساهموا بالنهوض بالخيمة، فذلك لايعني نسياني لكل من غمر بالفضل، واختص بالنصح، وتفضل بالإرشاد، وسعى إلى تركيز الضوء على جنبات هذه الخيمة من رجال الإعلام مصورين ومحررين وتقنيين..
فلكم جميعا أجزل الشكر وأوفاه، لأنني عاجزة عن وصف ما يختلج بالفؤاد من حب وتقدير وإكبار :
في الحب كل لغات الأرض واحدة           
             إذا تكلم لا عرب ولا عجم
 إن يخمد الحس من جهل بأحرفه
       فقد يورثه من صدقه الكلم
الدكتورة لويزا بولبرس المديرة العامة للدورة السادسة لخيمة الفكر والإبداع 

اترك تعليقاً