الإعلام ومسألة الحيادية والموضوعية : نازلة صالونات الحلاقة في أعمال دورة فبراير 2017 للمجلس الجماعي فاس

الإعلام ومسألة الحيادية والموضوعية : نازلة صالونات الحلاقة في أعمال دورة فبراير 2017 للمجلس الجماعي فاس

12291704_727254777405349_2713052823878799565_o

د سعيد سامي : أستاذ التعليم العالي

بسم الله الرحمن الرحيم

قدمت قناة ميدي 1 تيفي حواراً ضمن فقرة “زوم”، يمتد على 5 دقائق و44 ثانية، أجرته مع الأستاذ الباحث سعيد لكحل بخصوص ما أسمته “جدل بعد قرار يقضي بضرورة الفصل بين الرجال والنساء في صالات الحلاقة بفاس”، وذلك يوم 01-02-2017، ثم عرضته على جمهور الأنترنيت عبر التطبيق الذي يحمل إسم القناة يوم 02-02-2017 ابتداء من الساعة الثامنة و21 دقيقة، إلى الآن.
في تعليقه، ذكر الأستاذ الباحث أن القرار يثير السخرية والسخط.

فمن حيث السخرية، فالقرار، في نظر الأستاذ سعيد لكحل، يعيد المغرب إلى ما قبل التاريخ، أي يفرض على المغرب قوانين تناهض كل الاتفاقيات والمواثيق التي صادق عليها المغرب، ويجعل الناس يتساءلون هل الفساد يكون فقط في صالات الحلاقة والملاهي؟،

هل شاطىء المنصورية ملهى؟،

هل هو محل للحلاقة؟،

هل هو محل للتدليك؟.

فلما ضبطت الشرطة القضائية قياديين من الحزب والحركة يمارسان الجنس في الشاطئ، هل هذه الممارسة كانت داخل ملهى أو داخل صالون للحلاقة؟.

هؤلاء يسخرون من الناس ويضعون أنفسهم مكان سخرية. جعلوا الاختلاط في الشواطئ حلالا، أما الاختلاط في محلات الحلاقة والتدليك فهو حرام.

أما من جهة إثارة السخط، فقد بدأنا مسلسل أسلمة المجتمع وأخونة الدولة عبر سلسلة من الإجراءات أقدم عليها حزب العدالة والتنمية منذ ترؤسه للحكومة تسير في اتجاه الأسلمة والتضييق على الحريات.

Commune Urbaine Fes

وعن سؤال لمقدم البرنامج حول كون القرار تحايل على القرار في بلاغ مجلس الجماعة، فالبيان ينص على مسألة المساحة فقط، بينما القرار ينص صراحة على الفصل بين الجنسين، يرد الأستاذ الباحث بأن مكمن الخلل في اشتراط القرار وجود مساحة كافية للترخيص لمحل حلاقة مختلط. فمن يحدد هذه المساحة ؟،

وما هي مقاييس أن يكون المحل مناسباً أو غير مناسب؟ فالأحياء كلها لا تتوفر على محلات ذات مساحة مناسبة. وبلاغ السيد الأزمي هو فقط انحناء أمام موجة الاحتجاج التي أثارها القرار.

وعن سؤال المذيع التلفزي عن كون كل دساتير المملكة تنص على المساواة بين الجنسين، ألا يضرب هذا القرار عمق هذه المساواة؟

وجاء جواب المصرح أن القانون الجنائي يشجع على جرائم الشرف، وأن مقررات التربية الإسلامية تكفر الفلسفة والمنطق، وخطب جمعة تناهض حقوق النساء والحقوق الفردية ومقاربة النوع. المفروض أن الحكومة تلتزم بالمواثيق التي صادق عليها المغرب وتترجمها في التشريعات المحلية أو الوطنية.

وأمام هذا النوع من النقاش المخدوم والمعبر عن توجه يخاصم كل مظهر للحفاظ على القيم الدينية والتقاليد الثقافية والمجتمعية الموروثة على امتداد قرون، لا بأس من تقديم ملاحظات تناقش الموضوع المعروض في البرنامج وبعض خلفياته وآثاره على ترسيخ المسلسل الديمقراطي ببلادنا.

– يستنتج المذيع في تقديمه أن القرار أثار جدلاً واسعاً ويراه المحاور موجة احتجاج، علماً بأن الدورة انتهت في الساعة الثانية بعد الزوال، والبرنامج قدم ساعات بعد ذلك،

comune fes

فأين يتجلى هذا الجدل الواسع وموجة الاحتجاج؟ من قام بهما؟ ومتى ؟ وممن استقى مهد البرنامج معطياته؟.

CUF 2

– إن إقدام القناة على استدعاء شخص له قناعاته الفكرية المعروفة لمناقشة قرار اتخذه مجلس جماعي، وهو مؤسسة دستورية، بإجماع أحزاب العدالة والتنمية، والاستقلال، والأحرار، والتقدم والاشتراكية، والإتحاد الإشتراكي، ضمن 27 قرارا أخر صودق عليها كاملة بالإجماع، وهي كلها حساسيات حزبية متنوعة ومختلفة ومتناقضة أحيانا في مرجعياتها، وإقصاء الطرف المعني الأساسي الذي هو المكتب المسير أو رئيس المجلس، الذي يعبر عن مشاريع مجتمعية تزاوج بين الأصالة والمعاصرة، والتقليد والتجديد، في مدينة لها هويتها وصفتها كعاصمة علمية للمملكة، لهو ضرب لأخلاقيات مهنة الصحافة وقوانينها المؤسسة، وهو خرق يخول للجهات المتضررة طلب الرد والتوضيح الذي يكفله قانون الصحافة والطبع والمنشورات، ويجيز للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، الهاكا، التدخل لتصحيح مثل هذه الانزياحات.

– أسئلة المذيع لم تكن محايدة، واستنتاجاته متسرعة، إذ كيف لقرار تنظيمي أن يتعارض مع دساتير المملكة ؟ !.

والحالة هذه أن للمرأة حرمة في المجتمع، فقد عهدنا منذ طفولتنا أن محلات الحلاقة النسائية تضع رداء ثوبياً لكي لا تظهر النساء اللواتي يرتدن هذه المحلات وهو يقمن بالحلاقة أو التزيين أو التجميل. وأن اختلاط هذه المحلات هو أمر مستحدث جداً، ويقتصر على الأحياء الراقية التي تتوفر لطبيعة تجزئتها وتنظيمها العمراني، على محلات تجارية ذات مساحة كبيرة نسبيا.

ونظراً للرواج على هذه المحلات من طرف الفتيات والنساء، فهي تتوسع. فما العيب إذن أن تنظم السلطة المنتخبة ما يدخل في نطاق الاختصاصات الموكولة إليها قانونا، علماً أن السلطات المحلية والإقليمية والولائية لها صلاحيات مراقبة مدى ملاءمة قرارات الجماعات الترابية للقوانين المنظمة. وقد سبقت لهذه السلطات أن أعادت قرارات لذات الجماعة أو رفضتها، وكانت ذات مضامين مالية وحيوية كبرى.

– أما مناقشة أفكار الأستاذ الباحث، فهي تحيل أيضاً على تحامل واضح ومعهود لصاحبها على كل شأن ذي صلة بتدين غالبية المغاربة، إذ كيف لقرار لا ندري هل ستقبله سلطة الملاءمة أم ترفضه، سيعيد المغرب إلى عصور ما قبل التاريخ؟،

3

وما هي القوانين والمواثيق الدولية التي تنظم مهنة الحلاقة حتى يعارضها المجلس الجماعي لمدينة فاس أو يقبل بها؟، وما علاقة مجلس مكون من 97 مستشاراً و5 أحزاب بنازلة المنصورية التي يحمل وزرها من قاما بها ؟. وهل ترؤس حزب العدالة والتنمية للحكومة المنقضية ولايتها يفتح يديه للتشريع حسب هواه ونظرته الحزبية الخاصة، أم له شركاء في التدبير الحكومي، ومؤسسات دستورية تراقب أداءه (البرلمان)، وأخرى تنظر في الخلافات ذات الصفة القضائية، ومؤسسة ملكية راعية للدستور والحقوق والحريات، وضامنة لحسن سير المؤسسات، وسيادة للاستقرار والأمن؟؟.

– ومن تجليات سوء نية البرنامج تقديم مقر مجلس جهة فاس مكناس ضمن الصورة التي تشهر البرنامج، فما علاقة هذا المجلس الذي يترأسه الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، لموضوع النقاس.

– أثار الأستاذ الباحث موضوع محلات التدليك، رغم أنها لم تكن موضوع القرار. ولا بأس في هذا الشأن، ما دام أنه فتح هذا الموضوع، من إحالته على المقالات التي نشرتها مواقع إلكترونية محترمة وذات مصداقية عن هذه المحلات، لعل صاحبنا يقتنع أنه من حق الجماعة مستقبلاً، أن تفتح هذا الملف للمخالفات التي تقع بها، والتي تناولتها التحقيقات الصحافية التي رصدت هذه الظاهرة. وللإشارة، فعشرات المقالات والفيديوهات التي رجعت إليها نتيجة بحث في محركي غوغل ويوتوب، لم يدم سوى بضع ثوان، تقنع كل مهتم بهذا الملف وبالأخلاق العامة، أن يخشى على المآلات الممكنة لهذه الأماكن. فمن مسؤولية السلطات المنتخبة والولائية أن تتابع ما يجري هناك وتتخذ ما يناسب لتصحيح الاختلالات.

– إن الداعي للسخرية والسخط حقيقة لا مزايدة، هو أن القناة التلفزية العمومية، تركت للأسف، 27 قراراً يساهم في التنمية المحلية، وتنويع العرض الثقافي بما يضمن لمدينة فاس استعادة مجدها الثقافي وحضورها الفكري في المشهد العام للمملكة (قصر للمؤتمرات، ومسرح فاس الكبير، ومعهد للفنون الجميلة، ومتحف لحفظ الذاكرة التاريخية)، مشاريع ضخمة بملايير السنتيمات، واقتناء أراضي ووعاءات عقارية، وإحداث هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بجماعة فاس، وتمويل 100 سكن منخفض التكلفة لفائدة الأسر المعوزة، كل هذه النقط لم تثر اهتمام الضيف والمضيف والقناة الحاضنة لهما، مما يحيل على سلوك لا يساهم في ترسيخ الاختيار الديمقراطي للمملكة، وإنما يكرس ثقافة الإقصاء والتضييق على حساسيات حزبية محددة، ونشر العزوف والتشدد.

هكذا تناولت فضائيات عربية مضامين خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بقمة أديس أبابا m6_union_africain3_240576558

– وختاما، أعتقد راسخاً أن زمن ما بعد 30 يناير 2017، يستدعي التكاثف حول عاهل البلاد في استعادته للعمق الإفريقي للمملكة، وتحقيق الريادة في تنميتها بما يخدم مصالح المغرب الاستراتيجية والحيوية، والابتعاد عن كل نقاش عقيم لا يخدم ترسيخ الاختيار الديموقراطي للبلاد، وتأكيد ريادة المغرب للعالم الأفريقي، وحضوره في غرب البحر المتوسط وبقية العالم.


اترك تعليقاً